في المقالة السابقة تكلمنا عن سوءات الحرب وبلاويها وما تتركه على أخلاق المرء وما تنحدر فيه الحاجة إلى أسفل سافلين نظير تأمين العيش وإيجاد اللقمة السائغة له ولأبنائه كيفما اتفق وفي هذا الصدد أتذكر أن صديقاً كويتياً التقى بعد الحرب على العراق 2003 والإطاحة بحكم الرئيس صدام حسين صديقاً مشتركاً لنا، فقال: ما هي أخبار فلان صديقنا السابق الذي عاد للعراق بعد غزو الكويت 1990م؟ فما كان من صديقنا العراقي إلا أن قال: «فلان بصحة جيّدة» وهو يشتغل بمهنة لا بأس بها، قلنا: ما هي بالضبط؟، فقال: «إنه يعتاش على مهنة إسعاد البلابل!!» فقلنا فرحين: لا شك أنه قد تعلم سيكولوجيا الطيور وهذه شهادة نادرة في عالمنا العربي، فأردفنا: الله يوفقه أنها راقية، فما كان من صاحبنا الآتي من العراق إلا أن قال: «يا راقية يا زفت!!» إنه يصطاد الذباب ويضعه في قارورة ويبيعه في الأسواق لهواة تربية البلابل ومفردة البلابل في العراق «بلبول» والبلبول باللهجة العراقية تعني «البلبل» ويقول العارفون: إن البلبل إذا ما أكل ذبابة فإنه يصبح مستأنساً أو (متونساً) لا فرق ويظل طوال اليوم يصدح للمارة (ونس بلبولك) وهنا قال الكويتي لصديقه العراقي: يا الله كيف تدنى مستوى ذلك الرجل بعد أن كان في الكويت من أكثر الشباب «كشخة» فأين سيارته المرسيدس وأين غترته المرزام التي تهفهف من نافذة المرسيدس وأين الصبايا اللواتي كان يصطادهن على سيف البحر؟! أفا أفا ردت لاصطياد الذباب بدلاً من الغواني؟! ونكمل لاحقاً.