نهاية الأسبوع الماضي ذكر لي أحد الإعلاميين المختصين والمعروفين في السوق السعودي بل وحتى الخليجي بأن المصورين المحترفين يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن الحالة النفسية التي يمر بها الٌمصورَ تنعكس بشكل قوي على ملامح الوجه فتفقد الصورة رونقها وجمالها،ولذا قد يمضي المصور المحترف أسبوعاً أو يزيد من أجل أن يأخذ صورة شخصية متميزة لرجل أعمال مبرز أو شخصية اجتماعية ذات صيت وشأن أو.... ليس هذا فحسب بل علق من كان يتحدث معنا حول هذا الموضوع بأن الحالة النفسية للمصور هي أيضا لها أثرٌ مباشر على جمال الصورة لحظة الالتقاط والزاوية التي ينظر من خلالها للشخصية الجالسة أمامه!!،، وهذا يعني أن بإمكان المحلل المختص أن يقرأ الخارطة النفسية والذهنية للمصورَ والمصورِ من خلال تتبعه وتفرسه في عدد من الصور التي التقطت خلال فترة زمنية ما وبأماكن مختلفة وبأحوال متعددة.. وعندي أن هذه القاعدة قد تعمم على كثير من المنجز البشري والأعمال اليومية؛ فاللوحات الفنية هي كذلك، ومثلها بل أشد منها المخاطبات الكتابية التي تخفي بين ثنايا سطورها الكثير مما لا يمكن قوله صراحة وبكل شفافية ووضوح. وهناك من يقرأ الشخصية بأبعادها المختلفة بمجرد نظرة خاطفة على توقيع صاحبها، والرابع يحللها حين يتعرف على كيفية نوم هذا الإنسان أو ذاك أو حتى جلوسه وسيره وسرعة حركة يديه ومشيه أو... وأعرف أستاذاً متخصصاً في “علم نفس النمو” كانت دراسته لنيل درجة الدكتوراه “قراءة شخصية الطفل عن طريق الرسم” مركزاً في تحليله على اختيار الألوان وحجم الرأس والجسد والخلفيات التي يضعها الطفل في لوحته الفنية البسيطة، وقد اطلعت على ما كتب ووجدت العجب!!... الشاهد هنا أن هناك مداخل عدة لقراءة الشخصية وتحليل نفسيتها، ولكن هناك من الوجوه من يلبس أقنعة، ويرتدي حجباً تختلف سماكة ولوناً حسب المواقف وبناء على الشخصيات التي يقابلهم في شارع الحياة.
إن هذا الصنف من البشر تعجز عن التقاط الصورة الحقيقية التي يحملها بين حناياه، وكثرة المراس منحته القدرة على المراوغة والاختلاف، فبمجرد تغميض العين وانتباهاتها يختلف الحال عنده حسب معطيات الواقع الذي اكتشفه اللحظة!!!.
كم هي كثيرة تلك النفوس القادرة على إيجاد الحجب بين الظاهر والباطن، فالوجوه في عالمنا وللأسف الشديد ترسم لك ابتسامة عريضة لا تصدر إلا عن محبة وإجلال، والقلوب التي جزماً لا يعلم مكنونها إلا الله عامرة بالشر مليئة بالسخط مسربلة بالكره (والأشخاص الذين يسيطر عليهم الكره وفكرة الانتقام - كما يقول الدكتور صالح بريك - غالباً ما يلحقون الأذى بأنفسهم وبالآخرين.. أنهم يسعون إلى تحقيق ذواتهم عبر “الشر”، وهم “صم.. بكم” حيال قيم الجمال والخير الذي تطرحه الحياة في الضفة المقابلة للانتقام. والكاره يجعل من الانتقام فكرة ثابتة.. بل يتخذه أسلوب حياة، ودون أن يدرك أو يعي العواقب يتحول إلى شخصية “بارانوية” تغمرها مشاعر السرور والفخر جراء تعاسة الآخرين الذين يكرههم، وألحق الأذى بهم. ولعل الوحشية التي تميز العلاقات الإنسانية لا تتأتى من الآثار المدمرة للكره وإنما ميل الفرد لإثبات ذاته عبر هذه الاستجابة الانفعالية الهيجانية...) وهؤلاء الصنف هم الخطر الحقيقي في حياة الناس.. ولذا فإنني أعتقد أننا بحاجة إلى التقاط الصورة الحقيقية التي هي في دواخلنا حتى نستطيع أن نكون مؤهلين للترقي في سلم الحضارة والمنافسة العالمية من أجل الصدارة..كما أننا بحاجة إلى البحث عن الخير والجمال لدى الآخرين فضلاً عما هو لدينا،، ومتى جمعنا بين هذا وذاك سنكتسب سمة المصور المحترف الذي يتفرس في الوجوه ويملك القدرة على اختراق الأقنعة المزيفة ويصل إلى المعرفة الحقيقة بمن هم يحيطون به ويخالطونه في دروب الحياة المختلفة، وكلما كان الإنسان ينظر بنور الله فسيكون أقرب من غيره لنيل ما وعد الرب على لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي المعروف، و شرط ذلك وأسه “محبة الله” والتي تٌنال - كما في الحديث المشار إليه هنا - بالتقرب إليه عز وجل بالنوافل بعد أداء ما افترضه الخالق سبحانه علينا، المهم هنا أن يتفرس الواحد منا في نفسه ليعرف هو من ؟؟!! ولا يغره جمال صورته التي التٌقطت له فحسب إذ الأهم صورة ما يحمله في قلبه “ملك الأعضاء” من مشاعر وقناعات ومسلمات وتربيطات وعلاقات و... دمتم بخير وأسأل الله لي ولكم سلامة قلوبنا وطهارة دواخلنا وطمأنينة نفوسنا وصدق حروفنا.. وإلى لقاء والسلام.