نحمد الله ان المملكة العربية السعودية تكاد هي الدولة الوحيدة التي أعطت العلماء استقلاليتهم وجعلتهم هم المرجعية في كل شيء، فمفتي المملكة رسخ هذا التوجه قبل انشاء هيئة كبار العلماء، مما جعل ولاة الأمر في هذه البلاد يحترمون قراراته وإن وجد هناك اجتهادات من ولي الأمر لا تتعدى المصالح المرسلة التي أعطاها الشرع له في التعامل معها، والتي هي أصلاً تقع ضمن منهجية المفتي، هذه المظلة العلمية والأجواء التي وفرها الحكم السعودي لشرع الله أن يقول كلمته جعل هيئة كبار العلماء تمارس أعمالها، لأن قادة هذه البلاد - حفظهم الله - يدركون ما عاهدوا الله عليه، بأن دولتهم قائمة على تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع منظومة الحياة، فلهذا لا يعيرون أي اهتمام لهذه الصيحات المغرضة.
لقد أعطوا رسالة للعالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية ثابتة ومعتمدة على الله بأن نهجها الإسلامي لا يتغير بتغير الأشخاص، بل يزداد قوة ومنعة، وبأن أسلوب التجديد هو الذي يتغير، فهيئة كبار العلماء في المملكة توسعت كثيراً وزاد عدد أعضائها من العلماء الذين يشهد لهم بالبنان، وخلاصة القول إن هيئة كبار العلماء لها أعمال وجهود ونصائح، حيث إنها تعمل من خلف الكواليس لأن أعمالها ليست إعلامية حيث إنها تهدف إلى البناء وتقديم النصيحة لولاة الأمر في هذه البلاد الذي يأخذ معظم وقتها، فهي لا تحبذ إيجاد أسلوب البلبلة والإثارة الذي يعتبر ديدن هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الموحد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهذا من المحفزات التي جعلتني أكتب هذا المقالة والتي أخص بها هيئة كبار العلماء في المملكة وخصوصاً في هذا الوقت العصيب المتلاطم بالأحداث والمتغيرات الفكرية التي لا تستند على التأصيل الشرعي والمرجعية مما يجعل سبل الفتنة والانشقاق بين المسلمين قائمة إذا أخذنا بالاعتبار حجم ومكانة كبار العلماء في المملكة التي يعول عليها كثيراً بأن تكون هي المبادرة للتصدي للفتاوى التي تطلق هنا وهناك، عملها هذا هو تفويت الفرصة على الذين يصطادون بالماء العكر وهدفهم الايقاع بين علماء المسلمين ومثال ذلك ما تطالعنا به بعض الفضائيات العربية من خلال لقاءاتها مع بعض المتخصصين وغير المتخصصين في نظرتهم لبعض القضايا الشرعية المرتبطة بالحاكم والمحكوم وما يرتبط بحياة الناس كافة والتي يتمخض عنها فتاوى خطيرة لا تحمل تأصيلاً علمياً، مما جعل تأثيرها قوياً بين عامة الناس الذين يجهلون الحكم الشرعي، علماً بأنه وصل الأمر إلى بعض طلبة العلم في طرح بعض القضايا والفتاوى التي تتطلب مرجعية، وهذا ما يحتم على هيئة كبار العلماء أن تستخدم أسلوب المبادرة من خلال تحسسها لما يدور في الساحات المحلية والعربية والإسلامية والدولية من قضايا واراء تتطلب رأي وحكم الدين فيها قبل أن يطلب منها ذلك، ولا شك أن قيامها بهذه المهمة سوف يقابل بارتياح من أبناء هذه الوطن كافة وسوف يوجد الطمأنينة لأن ما يصدر عنها من قرارات وتوجيهات ليست من الهوى، إنها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
mid@abegs.org