عرض المذيع سؤالاً على أحد أصحاب الفضيلة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وكان السؤال متضمناً طلب الإفادة عن صحة حديث يتردد كثيراً، ويتناقله الناس، وأنه وصل إليه عبر رسالة جوال، فكان جواب فضيلة الشيخ: «هذا من آفات الجوالات». ولقد كان الجواب وافياً وجامعاً؛ فللجوالات آفات كما أن لها محاسن وإيجابيات، وغير خاف على أحد ما حققته أجهزة الاتصالات من فوائد في التواصل وتسهيل الخدمات ونقل المعلومات مما لا يتسع المجال لذكره ولا لعده وحصره، ولكنني أود التعليق بالتأكيد على كلام فضيلة الشيخ - حفظه الله - عن آفات الجوالات.
إذا كانت الجوالات أسهمت في الإثراء المعرفي لدى البعض فإنها رسخت لدى فريق آخر الجهل وضاعفته، خاصة ممن يمتهنون ثقافة «القص واللصق». وهذه الفئة الأخيرة لا تتردد كالببغاء في إعادة إرسال كل ما يصل إليها دونما تأكد وتثبت من صحة الخبر أو دقة المعلومة الواردة إليهم. والأخبار سيؤكد صحتها من عدمها المواقع المعنية، وإن كانت تحدث مشكلة وكثير بلبلة وقلقاً. ويضاف إلى ذلك ولا يقل عنه من يتبرعون باسم محبة الخير بإرسال كل ما يرد إليهم من أحاديث ضعيفة أو مكذوبة على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بل إن بعضها مدسوس، ووضعت لأهداف أراد منشئها وضعها لخدمة معتقداتهم وأفكارهم، وصارت الجوالات وسيلة سريعة لنشر ما يريدونه!.
ولا يقتصر الأمر على المعلومة اليسيرة، والخبر القصير أو الطويل أو التحويل على الروابط المشبوهة، بل هناك برامج كاملة تم تنفيذها لخدمة أهداف ومعتقدات باطلة ومنحرفة وتقدم للأمة على أنها المكتبة الإسلامية، وفيها من الدسائس والمعلومات المغلوطة الشيء الكثير، وللعمل على سرعة تسويقها لا يذكر مصدرها ولا من قام بإعدادها، وللتدليس يضاف إليها بعض الكتب التي لا تتفق وأفكار معدي البرنامج، ولكنهم يدلسون على الناس حتى يكون العمل مقبولاً، ولتكون أشبه بالطعم الذي يقدمه الصياد لصيده. وقد وصل التحريف في هذه البرامج إلى تقديم نسخ مزورة ومحرفة من القرآن الكريم وتفاسير مشبوهة وتراجم وسير للصحابة مغلوطة ومعلومات تاريخية غير موثقة؛ ما يتطلب الحذر من طلب هذه البرامج أو الترويج لها والدعاية وعدم الاستقبال.
لقد تصفحت بعض الرسائل وإذا بأصحابها يصدرون رسائلهم بابتهاج وفرح ينم عن محبتهم للخير مع جهل، فقد صدرت بعض الرسائل «الله أكبر فتح جديد»، ورسالة أخرى «أهديكم أجمل رسالة وصلت إلي» وفي نهاية هذه الرسائل تختتم بالمقولة المشهورة «انشر تؤجر»، و»لا تحرم نفسك الأجر فلا تحبس هذه الرسالة» أو»ابعثها لمن هم مضافون عندك»، ورسالة أخرى تطلب تعميم الأجر فيقول: «اللهم اجعل أجرها لي ولوالدي»، في حين يذكر البعض الآخر (من ذمتي إلى ذمتك).. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نعم، هذه من آفات الجوالات، وليست كل الآفات بالتأكيد. ولقد نشرت قبل سنوات عدة تحت عنوان «انشر تأثم»، على غرار انشر تؤجر، وذكرت ما يحدث في مواسم معينة من انتشار أحاديث ضعيفة ومكذوبة ومعلومات غير صحيحة وفتاوى منسوبة لبعض العلماء، ومقالات توعز لغير أهلها، ولكن الواقع الحالي أشد بكثير؛ فلم يعد الأمر قاصراً على الرسائل بل أصبح هناك تسويق برامج كاملة فاقت التحريف والتزوير والكذب، ويقصد منها التشويش والإساءة لهذا الدين ولأهله.
خاتمة: لقد سعت العديد من المواقع الإسلامية عبر مواقعها الإلكترونية إلى خدمة السنة بوضع خدمة الاستفتاء والاستعلام عن صحة الأحاديث، وهي خدمة موثقة تساعد في انتشار المعلومات الصحيحة، نسأل الله أن يجزي القائمين على هذه المواقع خير الجزاء، ونحن بانتظار «قوقل إسلامي»، يحوي بنكاً للمعلومات المطلوبة من قرآن وسنة وتفاسير وشروحات، ويكون متوافراً على «الإنترنت»، ويسهل الاستعلام منه؛ ليسهم في مكافحة الأمية الدينية لدى البعض.
alomari1420@yahoo.com