عرَّف بعضهم الحسد: بأنه نفثات سميّة، تخرج من قلب الحاسد على المحسود فتحدث انعكاسات قد تظهر آثارها على المحسود في نفسه، أو ولده أو أهل بيته أو على ممتلكاته وغير هذا. والحسد يعرف باسم العين، والعائن هو الذي تظهر منه، والمعان هو الذي تصيبه آثار العين،
وهي معروفة لدى شعوب الأرض كلها، وللحسد علاج في وصفات الإسلام تقي بإذن الله، أهمها ذكر الله، وما شاء الله وتدرك بالعلم والتعليم، وقد يتسلط الحاسدون على ذوي النعمة والصحة أكثر، وفي بعض البقاع من الأرض يستعملون السحر لعلاجه.
والقرآن الكريم، يحث على العلم بفروعه، والطب واحد من العلوم التي تفيد النفس البشرية، ظاهراً لعلاج ما يطرأ على البدن، ووجدانياً بتوثيق الصلة بالله عز وجل، وشكره على نعمه العديدة، التي تبين للإنسان بالموازنة والمقارنة، وشكره إذا رأى نعمة على غيره: امرأة أو رجلاً أو صبياً، وتاقت نفسه على الحصول على مثل ذلك وحتى لا يضر أحداً وهو لا يدري. فمن الوقاية ذكر الله والإكثار من قول: ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت.
والعين لا يحجب ضررها إلا ذكر الله والأوراد، وقد تكون عقاباً من الله، كما في قصة أصحاب الجنة في سورة (ن) يقول سبحانه: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ} (سورة القلم الآيات 17 - 29)، والعلاج بعد ذكر الله أخذ السبب من العائن لباساً أو غيره فيشرب أو يغتسل به.
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: (نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد) قالوا ما هو؟ قال: الهرم، وفي لفظ: (إن الله لم ينزل داء إلا وضع له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله) و لا تداووا بحرام.
يقول الكحال، صاحب كتاب الأحكام النبوية، إن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يديم التطبّب في حال صحته ومرضه، أما في صحته فاستعمال التدبير، الحافظ لها من الرياضة، وقلة التناول، وأكل الرطب بالقثاء والرطب بالبطيخ، ويقول: يدفع حر هذا؛ برد هذا، واكتحال عينيه بالإثمد، كل ليلة عند النوم، وتأخير صلاة الظهر في زمن الحر، ويقول: (أبردوا بها) وأما تداويه في حال مرضه، فثابت بما روي من ذلك في الأخبار الصحيحة منها: عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه، وكان يفد عليه أطباء المربع والحج، فيصفون له، فنعالجه.
ومن هذا الهدي الكريم نلمس اهتمام شريعة الإسلام بالجسم البشري، والبحث عن وقايته، لكي تدرك أسراره ويعطى العلاج النافع، وهذا من معرفة أسرار هذا الجسم، ومن ثم يتقوى بالنشاط على العمل.
والعبادة لله هي أهم أعمال الإنسان، لأنها سر خلقه، والحكمة من إيجاده في الحياة، وبالعلاج ينشط على العبادة.
وفي الوقت الذي نجد فيه الطب المادي المهتم بخصائص بدن ابن آدم حيث اتسعت الآفاق وتنوعت التخصصات في بدن ابن آدم. وأصبحت كل جزئية في هذا الجسم تحظى بدراسات عديدة، واهتمامات بالمتابعة والتشخيص، ومن ثم وصف الأدوية المعينة في العلاج، ونراهم يعجزون عن تشخيص ووصف لعلاج الحسد والإصابة بالعين، بل إن بعضهم، وهذه الإصابة كما يقال: تودع الرجال القبور والجمال القدور؛ لعظم أثرها إذا لم تؤخذ الأسباب، ولكل شيء سبب، ومن أهم الأسباب الحرص على قراءة آية الكرسي فهي حصن من الحسد، وإن كان بعض الناس يصاب أبناؤه بالعين فإن الوقاية كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، بالورْد عليهم، والنفث ببعض الأدعية، ومنها أعوذ عليكم بكلمات الله التامة من شر ما خلق ومن شر شياطين الجن وشياطين الإنس، ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها، والعائن قد يكون من الجن مثلما يكون من الإنس، والحرص بأن يكون الورد صباحاً ومساءً، ومن ضمن هذا الورد قراءة المعوذات: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، إذ في سورة الفلق آية عن الحسد والحاسدين هي: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5) سورة الفلق، فالإنسان يحرص على المداومة بما يدفع الحاسد وحسده.
وكل عضو في جسم الإنسان عرضة لإصابته بداء الحسد، دون أن يتضرر باقي الجسد بالأثر، سواء كان الأثر، في العين لقوة النظر، أو في عضو من الأعضاء، فمن عنده عيال قد يحسده من لم يمنح أولاداً، ومن لم يكن له زوجة فيحسد المتزوجين وهكذا.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم - في إحدى غزواته لُبِط شخص منهم اسمه سهل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: فقال من تتهمون؟ قالوا فلاناً، واحد في هذه السرية، فسألهم ماذا قال، قالوا وجد ماء من مطر، فاغتنم سهل فيه الاستحمام، ورآه عامر يستحم وهو خالع ملابسه، فقال: جلد ولا جلد مخبأة، يعني أنه كجلد بشرة الفتاة المخبأة (فلبط) أي أصابته العين من ساعته.
فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استدعى عامراً، وقال له ما بال أحدكم يقتل أخاه، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يغسل داخل إزاره، ويبرك لأنه قال له، هلا بركت، يريد أن تقول عند إعجابك لما رأيت وتاقت نفسك: هلا قلت: ما شاء الله تبارك الله، وهذه كلمة أخذها الصحابة ومن بعدهم إذا رأى الواحد شيئاً أعجبه، وتاقت نفسه إلى مثله، يقول هذا التبريك لأنه يكسر وحدة توقان النفس، وهي ما يبطل أثر العين.
قال الراوي من الصحابة بعدما اغتسل بهذا الماء الذي هو ملامس بشرة العائن، وقد يكون أخذ قليلاً وتمضمض به، لكن الراوي قال: فقام سهل كأنما نشط من عقال.
وفي حياة الناس ومجتمعاتهم حكايات من هذا النوع، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الورد وقراة المعوذات وآية الكرسي دبر الصلوات؛ حيث لا يزال عليه من الله حارس حتى يصبح هذا إذا قرأها عند النوم.
والحسد نوعان: ممدوح ومذموم، أما الممدوح فهو تمني مثل ما عند فلان من المال أو الجاه أو العلم أو الولد أو حسن الخلق أو غير ذلك من السجايا الحميدة حتى يعمل بها من أوجه الخير مثلما يعمل فلان وعلان من الأعمال النافعة للقريب والبعيد، دون أن يتمنى تجريد الآخرين مما أعطاهم الله من فضله، وأحب ويتمنى مثل أعمالهم، والعلماء لا يسمون هذا العمل حسداً، بل يسمونه غبطة، يا ليت عندي مثل ما عند فلان، حتى أهتم بوجوه الخير للأقرباء وصلة للفقراء والمحتاجين إحساناً فهذا تمني ولا يسمى حسداً وإنما رغبة في الخير، ليعمل مثل عمل المحسنين ليشاركهم في الأعمال الخيرية ليحصّل المثوبة والسمعة الحسنة مثلهم.
أما النوع الثاني، فهو ممن يتمنى زوال النعمة والمال والجاه عن زيد من الناس لتكون عنده يتنعم بها، ليشار إليه فخراً وعزة وأشر منه من يتمنى نزعها من فلان وعلان، يحرم منها صاحبها، في اعتقاده أنه ليس بكفء لهذه النعمة سواء كانت جاهاً أو مالاً أو مركزا، وغاب عنه أن الله سبحانه هو الموزع لهذه النعم أياً كان نوعها، وهو أعلم بعباده، فهو سبحانه يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورة آل عمران (26 - 27).
وشر من هذين أن يتمنى زوال النعمة والجاه من الآخرين وفي اعتقاده أنهم ليسوا بأكفاء لهذه النعم، وأنه في قرارة نفسه خير منه، ويتمنى إذا وصلته هذه النعم فإنه سوف يعمل مثل زيد وعبيد في الأسفار والمعاصي ومتع المعاصي فهذا نسأل الله السلامة وشر أعماله في شر تمنياته وحسده، ومنه من يتمنى زوال النعمة عن الآخرين حقداً وحسداً فقط.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من عرف للنفس سرها، وللبدن علاجه، وإذا كان الإنسان في هذه الحياة قد أعطاه الله الحواس التي يدرك بها الخير من الشر والنافع من الضار، فقد يحرص على مراقبة الله ومدافعة خفايا جسمه، وليواصل بالتجربة والمتابعة لكل حالة تمر به، أو تطرأ على جسمه بأوجه العلاج، والاستفادة مما هيأ الله في الأرض، من نباتات وأعشاب، بما يعين على تخفيف آلام ما يطرأ نفسياً أو جسمياً من أمراض، وما ينجم على أجزاء البدن البشري من تقلبات وأعراض، لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وعليك أن ترضى بما قسم لك، لأن الإنسان في العلم الحديث الشائع في المجتمعات عليه أن يساهم وفق طاقته وكل ميسر لما خلق له، حتى يستفيد بجهده، من الأسس النافعة، ويشارك بطاقته ويعمل ذاكرته التي وهبها الله له لأن القاعدة في هذا ما قاله سفيان الثوري: هم رجال ونحن رجال ولهم عقول ولنا عقول، ومنهم من ينسبها لابن عيينة.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ضرب لنا نموذجاً يقاس على حالة: رجل عنده أكثر من زوجة وأراد أن يتزوج بأخرى، يوضح الأمر لزوجته في ذلك، وقالت أرضى بهذا على شرط حكم طلاقها بيدي، فإن فعلت خالفت الأمر لأنها ارتكبت إثماً في قطع رزق الأخريات الغافلات وشبهه بالماعون المكفيّ، وهذا ضرب من الحسد المذموم، لأن الله قد أباح التعدد في سورة النساء مثنى وثلاث ورباع مع العدل بينهن.
mshuwaier@hotmail.com