قد يتفق الجميع على أن التاريخ ربما يعيد نفسه أو جزءاً منه، أو يجدد مما هو عليه شيئاً فشيئاً؛ ليعود إلى حيث بدأ بتطور مقبول ونتيجة ظاهرة، وهذا في ظن (الكل) والمأمول منه، مع الحفاظ على الأصل والثابت، على أن المتغير هو الكيفية والعمل المناط بطبيعة الشكل الاجتماعي وواقع الفهم والمعرفة. دعونا من هذا كله (صراحة) لنقول: ما معنى أن التاريخ يعيد نفسه أو يعود هو بنفسه؟ والمعروف أنه (التاريخ) يعني الوقت المتفاعل بالزمان والمكان وحركة الإنسان بينهما، بحيث يعرف بأحدهما وبأقوى حدث يربط السابق بما يأتي بعده، ومناط ذلك بالعادات والتقاليد وانعكاس الأفكار بالصورة المتعارف عليها. والذي يلحظ المسيرة الحياتية هذه الأيام يدرك بحذر أنه ليس من الممكن عودته أو التواصل معه، إلا أن نعتبره وراء نافذة نتطلع عليه باستشراف ما نأمله لاحقاً. والسؤال هنا: هل جادت علينا الدنيا بمثل المتنبي؟.. أو تكررت عصور النهضة الفكرية مرة أخرى بحراكها ومذاهبها طبعاً؟!! (هذا من قريب)، الذي انتهى قبل نصف قرن تقريباً، وقد شملت أكثر الرموز الثقافية والرواد في الساحة الأدبية من كل الأقطار العربية، بعدها أخذت تتنقل تلك الحركات في بلدانها في المقابل، كما نشاهده في وقتنا الحاضر، لكن! بتحوُّل مضطرب في المعنى؛ إذ تبدل من الحركة الفكرية والاقتراب إلى حركة الإقصاء والاحتراب.. دعونا نهرب من هذا مؤقتاً أو ننأى بأنفسنا عنه؛ لنلج منطقة أخرى، نعترف فيها بأننا نعتقد بعودة التاريخ أو بشكل من أشكاله، لكن في مآسيه وأحزانه، وهذا لافت للجميع، لا في أفراحه واستحسانه في جوانب الثقافة والإبداع..
(لنضحك) قليلاً بعد عودتنا من الهروب لنجد راحة من عناء أفكاره (التاريخ)، وفي الوقت نفسه تجسيداً لما نحن فيه، ولنعرف أيضاً ما معنى العودة؟.. نضحك كما قلنا مع بعض مشاهد مسرحية (على هامان يا فرعون 1978م) - حين التذكر - لنقف على مقطع ذكره الفنان الكوميدي عبدالحسين عبدالرضا (سند) وهو يستعرض حالات الشباب المتعددة وما يفعلونه وقتذاك (لاحظ الفرق الزمني الذي يفصلنا عن عرض المسرحية القريب من ثلاثة عقود ونصف العقد). والجدير ذكره أن عادات شعوب الخليج واحدة متجانسة بتوافق مع بعضها بعضاً.
قال سند لنيران (سعاد عبدالله).. بما هو مفهومه (الشباب في سياراتهم وكأنهم يسمعون السيارة ويقودون السماعة) تعبيراً عما يسمعونه داخل سياراتهم. وكلامه له مدلول كبير جداً لمن يتوافق معه، وخصوصاً مع شبابنا؛ حيث أعادوا لنا هذا التاريخ، وكم من شخص تمسك بهذا التاريخ الذي من خلاله زادت الحوادث والمشكلات المرورية، فذكرت لنا آخر إحصائية في هذا المجال بتاريخ 9-3 -1434هـ لإحدى الصحف المحلية - ولعلها (البلاد) عدد 20421 - أن (7153 شخصاً يموتون سنوياً في الشوارع في السعودية و30 % يشغلون المستشفيات)، مضافاً إليها التفحيط والسرعة، وتجد ذلك بوضوح عند المدارس وأمام البيوت وفي السكك والحارات، لا يمنعهم - أي الشباب - زمان ولا مكان عليه! نطرح سؤالاً آخر ونقول: هل هذه الإعادة التي خلصت بعد ثلاثين سنة هي التي نتشرف بها ونزفها إلى أولياء أمور هؤلاء الشباب ونحثهم بالمزيد حتى يكمل التاريخ ببعض أجزائه ونراه مجسداً بمثل هذه التصرفات...؟ والإجابة عن ذلك «لا أدري».