تمنيت منذ زمن أن أزور كل مدينة وقرية في بلادي، لكن الأيام تمضي ومشاريعنا وأحلامنا -وما أكثرها- مؤجلة تنتظر فسحة من الوقت الذي يظل بخيلاً فلا يتسع لتلك الأحلام ولا يمنحنا ما نتطلع إليه من مساحات تحتضن حتى القليل من أمانينا.
وقبل أيام سعدت مع بعض الأصدقاء بزيارة محافظة المذنب بدعوة من فرع نادي القصيم بالمذنب لحضور المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن تجربته الإعلامية بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشاء وزارة الإعلام.. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أزور فيها تلك المدينة الجميلة.
من حسن الحظ أنني سلكت مع أصدقائي الطريق البري الذي يربط «الغاط» مع «المذنب» ويتعرج بين الكثبان الرملية والمناظر البهيجة، وهو غير الطريق السريع المعروف الذي يربط الرياض بالقصيم.. وقد تبرع الدكتور الشبيلي مشكوراً بشرح معالم الطريق وأسماء المواقع، كما قدَّم لنا لمحة عن تاريخ وجغرافية المذنب، فعرفنا أن الاسم القديم للمذنب هو «فيحان»، كما أن أسماء عديدة قد أطلقت على الموقع وهو معروف منذ أزمان بعيدة؛ وفي الطريق أتحفنا الشاعر عبدالقادر كمال ببعض ما يحفظ من الأشعار التي تعود إلى العصر الجاهلي وصدر الإسلام والتي خلَّدتْ أسماء بعض المواقع في تلك النواحي التي كنا نمر بها أو قريباً منها.
وقد حرصنا أن نصل إلى المحافظة قبل موعد المحاضرة بوقتٍ كاف لكي نتجول في أحيائها ونرى معالمها، لكننا اكتشفنا أن ما يمكن زيارته في المذنب أكثر بكثير مما أتاحه لنا وقتنا، خاصة مع الحفاوة الشديدة التي أبداها جميع مَنْ التقينا بهم من أهل المحافظة، وإصرارهم على استضافتنا في بيوتهم. ويؤسفني أنني لا أستطيع الآن تذكر أسماء جميع الأشخاص الذين قابلناهم والذين كانوا يتسابقون على استضافتنا، لكنني أكتفي بأن أشير إلى نموذج واحد فقط يعبر عن خصال الناس هناك وهو الشيخ عبدالله الحصيِّن الذي أغدق علينا من كرمه وترحيبه، وقد كان اللقاء في منزله وأداء صلاة المغرب في مسجده فرصة رائعة لِلِقاء بعض أهالي المذنب الأعزاء قبل لقائنا الموسع معهم بمركز الأمير سلطان الحضاري حيث ألقى الدكتور الشبيلي محاضرته التي استعرض فيها بعضاً من جوانب مسيرته الإعلامية الحافلة.
رأيت في المذنب جوانب كثيرة تستحق التسجيل. فبالإضافة إلى كرم أهل المحافظة وبشاشتهم وترحيبهم بزوارهم، استوقفني وشد انتباهي «سوق المجلس القديم» وهو سوق تقليدي جميل تم ترميمه والمحافظة عليه يضم بعض الدكاكين والمحلات التي تحتوي على التحف والمقتنيات القديمة، وكذلك يوجد متحف بديع في السوق هو «متحف الغيلان» يعيد إلى الأذهان صورة بيوتنا الشعبية القديمة ومحتوياتها البسيطة الجميلة المتناغمة مع بيئة أهلنا في أزمانهم القديمة.
بعد ذلك مضينا إلى «منتزه خرطم» المطل على مساحات خضراء واسعة جميلة. وقد تمنيت لو أن في وقتنا متسع لقضاء أطول وقت في المنتزه البديع الذي تم اختيار موقعه بدقة، ويمكن أن يكون هذا المنتزه نواة لنشاط سياحي كبير يدعم اقتصاد المحافظة ويبرز ما تضمه من إمكانيات طبيعية وثقافية.
عدت من المذنب وأنا أشعر بالامتنان لأهلها الكرماء الطيبين، وشعرت بأنني أزحت عن نفسي قليلاً من الشعور بالتقصير في معرفة مدن وقرى بلادي وقد عقدت مع نفسي صفقة أن أكرر الزيارة إلى أكثر من موقع من تلك المواقع الكثيرة التي لم أتشرف بزيارتها بعد في أرجاء وطني العزيز.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض