أخوض حربا ضروسا منذ فترة لإنقاذ أبنائي من الغرق في بحر الألعاب الرقمية والوقوع فرائس لهذا الغول الذي اقتحم عالمنا بوحشية, ومع أني لست وحدي فزوجتي تساندني لحماية أبنائها, إلا أننا ما زلنا في كر وفر ننتصر تارة ونهزم أخرى وما علينا إلا مواصلة (الكفاح)
حتى تحقيق التوازن ولا أقول ترك هذه الألعاب كليا فهذا مطلب صعب إن لم يكن مستحيلا, لأن هذا واقع وعلينا التعامل معه بوعي بعيدا عن العواطف. أذكر أني أحضرت كتابا لابني الذي يدرس في المرحلة الثانوية وجلست معه محاولا إقناعه بأهمية القراءة ومجالسة الكتاب الذي يختلف عن وسائط الاتصال من هواتف ذكية وإنترنت, وقلت له إن الكتاب لا يستقبل موجات كهرومغناطيسية فتؤثر على مستخدم الهاتف الذكي أو الكمبيوتر, ويتأثر بها الجسم من نظر وأعصاب وغيرها مع طول الاستخدام لساعات. عكس الكتاب, والذي أصله من ورق الشجر, يمتص ما بك من طاقة سلبية ويأخذك بهدوء إلى عوالم من الفكر والمعرفة والتجارب التي تصقل تفكيرك وتهذب طباعك. بعد أن قلت له كل هذا واستحسنه ووعدني بأنه سوف يقرأه ومضت الأيام لكنه استمر على عادته كما إخوانه وزملائه, فالمسألة عدوى والتقنية ووسائطها المختلفة دخلت كل بيت, وهذا أمر واقع وله فوائده وإيجابياته ولا ينكر ذلك إلا من هو منقطع عن هذا العالم أو جاهل, لكن له سلبياته وآثاره المرضية مع سوء الاستخدام وقلة الرقابة.
في رأيي المتواضع أن التقنية الرقمية والإنترنت قد بدأت تكشر عن أنيابها وتظهر تغولها, وللعلم فإن وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية جانيت نابوليتانو لا تستخدم البريد الإلكتروني, بل إن رئيس كبرى شركات مكافحة الفيروسات الإلكترونية الروسية يستخدم هاتفا غير ذكي أو عاديا صنع قبل 6 سنوات, حتى يتجنب الجرائم والاقتحام الإلكتروني لبياناته ورقمه الشخصي. وغير بعيد الأثر الذي أحدثه الغزو الإلكتروني لموقع احدى وكالات الأنباء عن طريق (تويتر) وإشاعة خبر تفجير البيت الأبيض وإصابة الرئيس الأمريكي على كبرى بورصات العالم في أمريكا وفقدانها لمئات الملايين من الدولارات جراء هذه الإشاعة. فهل بدأت التقنية تظهر مخاطرها لبني البشر لشدة تقدمها ومن ثم تعقيدها لبعض أوجه الحياة بدلا من تيسيرها وهو ما وجدت من أجله؟. لا يمكن لأي حضارة ومدنية أن تحافظ على رقيها واستقرارها ورخائها دون أخلاق, تضبط إيقاعها وتهذب من أطماعها وجشعها وتغلب إنسانيتها وتحد من انفلات غرائزها, وإن كانت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تضرب أوروبا وأمريكا منذ سنوات قد أكدت هذه الحقيقة التي لا يحتاج العاقل لتأكيدها, فإن انفلات الثورة المعلوماتية وتقنية الاتصال وما يسببه من أزمات وأمراض نفسية واجتماعية هو تجسيد آخر لهذه الحقيقة الأخلاقية. نعم للتقنية التي تغني عن حمل الأوراق والملفات إلى دائرة حكومية لتكدس بعد ذلك في دهاليز أرشيفها, ومرحبا بالتعامل الحكومي الإلكتروني الذي يغني عن السفر في شوارع مدينة أدمنت الحفريات كالرياض, نعم للتقنية التي تيسر كل عسير, ولكن حذار لتقنية الترفيه التي تسلب أطفالنا براءتهم وصحتهم, حفظ الله أبناءنا وأبناءكم وجعلهم ذخرا وسندا,, والله يرعاكم.
omar800@hotmail.comتويتر @romanticmind1