في كثير من الدول المتقدمة تستنفر القطاعات الصحية كلها، عند مجرد شك في وجود حالة مرض مُعدٍ، بينما ينتشر مرض «كورونا» في الأحساء منذ أكثر من أسبوعين، وينام المرضى في مستشفى الملك فهد بالأحساء في الأجنحة العادية، ويزورهم أقاربهم ويختلطون بهم، دون أن تبادر وزارة الصحة بعزلهم، حفاظاً على صحة المواطنين في المنطقة، بل حتى حينما تحركت بشكل سلحفائي، لم تراقب حالة جميع الأقارب لهؤلاء المرضى، والذين كانوا في الأيام الماضية يلامسونهم، ويختلطون بهم!.
صحيح أننا ننتقد الوزارة باستمرار لعدم توفير أسرة في أجنحة التنويم، وفي أقسام العناية المركزة، وصحيح أننا نصمت على مضض، بحجة أن الإنشاءات تحتاج إلى وقت يفوق قدرة الوزارة على إدارة المشروعات ومتابعة تنفيذها، لكن الأمراض المعدية، وعلى مرّ التاريخ، تُماثل كوارث الحروب والفيضانات، إن لم تتفوق عليها بحصد الآلاف من الضحايا!.
وحتى حينما تحركت صحة الأحساء مؤخراً، لم تضع المرضى في أجنحة عزل حقيقية، بل في أجنحة عادية، مثل غيرها، ففي الغرفة عدد من المرضى، ويستخدمون حماماً واحداً كما لو كانوا في معتقل، ولا تتوفر إجراءات وشروط السلامة، والدليل أن البكتيريا لم تزل نشطة لدى هؤلاء المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج، بل الخوف من انتقال العدوى لأقاربهم، وانتشارها بالتالي في المنطقة بأكملها، حتى يصبح المرض كارثة حقيقية في البلاد!.
نحن كثيراً ما ننتقد دقّة الأجانب وحرصهم على الوقاية، معتقدين أنهم يفعلون ذلك من باب المبالغة، وربما هذه الذهنية تحديداً، هي ما يجعلنا لا نهتم، ولا نبادر، ولا نتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.
كثيراً ما نعاني من أخطاء التشخيص، وبالتالي العلاج، فالطفل في مدينة بقيق، يُعاني من أعراض كورونا، ويُشخَّص على أن حرارته بسبب علامات ظهور الأسنان لدى الأطفال، قبل أن يقرر المستشفى التخصصي بالرياض إصابته بالمرض، وعزله تماماً، حتى استكمال علاجه!.
ولعل في تصريح مدير عام المختبرات في وزارة الصحة ما يثير الأسئلة، حينما أكد أنه لا تتوفر إمكانات اكتشاف مرض كورونا إلا في مختبري الرياض وجدة فقط، وكأننا في إحدى الدول الإفريقية الفقيرة، التي ليس لديها موارد مالية سوى دعم البنوك الدولية، بينما هذه الوزارة ظفرت بأكبر المخصصات في الميزانية العامة للدولة من بين كل قطاعات الدولة.
ألم يكن سهلاً على الوزارة أن تستنفر كافة قطاعاتها، وبقيادة وزيرها، لتوفير الأجهزة المخبرية اللازمة لاكتشاف المرض في مختبر الدمام تحديداً، موطن انطلاق المرض وانتشاره؟.
نحن لا نريد أن يتفاعل الوزير أو بعض قيادات الوزارة كما يحدث في الغرب، ويعلنون مسؤوليتهم عن المرض، أو يستقيل أحدهم تحت وطأة الشعور بالذنب، والعجز أيضاً، بل نريد منهم أخذ الأمر بجدية أكبر، وإطلاع وسائل الإعلام على خطوات الوزارة في ذلك، بل على الأقل الاستجابة لتساؤلات وسائل الإعلام!.
الغريب في الأمر، وحسب تقرير صحفي نشرته صحيفة الشرق، تجاهل أكثر من متحدث رسمي في وزارة الصحة الحديث لوسائل الإعلام، وعدم الرد على أسئلتهم، كما ذكر المحرر، أو على استفساراتهم المرسلة عبر الفاكس، وكأنما الوزارة تقول: كورونا.. لا تسألونا!.