لم أستغرب هذا التناقض وتلك المفارقات التي تتناولها الأخبار المحلية، ففي الوقت الذي تتوالى فيه الأوامر السامية والتوجيهات الرشيدة من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين ببذل ما أمكن من جهود لإغاثة المواطنين والمقيمين من جراء آثار السيول التي غطت بعض المناطق، تنقل وسائل الإعلام والتواصل أخباراً مغايرة بل غير سارة، مثل: ضبط رجال (الحسبة) بأبها لأحد صالونات الحلاقة يقدم خدمة المساج للإيقاع بالشباب في ممارسات غير أخلاقية، وتأكيد الناطق الرسمي لهيئة عسير صحة الواقعة، مبيناً أن عدداً كبيراً من الشباب وقع في حبائلها وضُبط الكثير منهم في أوضاعٍ مشينة، وأن مسؤولية القضية طالت صاحب المحل الذي تستر على هذه العمالة وأعمالها الإجرامية المنكرة (وهنا مربط الفرس صاحب المحل المتستر)، وخبر آخر يقول (وحسب سبق أيضاً): تكشفت تفاصيل جديدة في قضية المهرّب المقبوض عليه داخل حدود إحدى الدول المجاورة الذي كان ينوي إدخال كمية من الحبوب المخدّرة للمملكة بلغت حوالي خمسة ملايين حبة، وضمن المضبوطات أجهزة اتصال بينها الثريا وكلاشينكوف ومسدس وذخيرة وأموال وغيرها، هنا لا بد من التذكير أن أصحاب الإجرام لا يفوّتون فرصة إلا واستثمروها غير مراعين لأوضاع الناس وأزماتهم وأحوال معيشتهم، بل هي فرصتهم الثمينة لتمرير شرورهم ظناً منهم أن الأجهزة الأمنية منشغلة بأعمال الإنقاذ من السيول، وهذه حسنة تسجل لهذه الأجهزة اليقظة التي لم تهمل الجوانب الأخرى لأمن المواطن والمقيم على حساب جانب طارئ عابر مؤقت، وهم - بإذن الله - أهل لذلك، حتى وإن سجلت بعض الخروقات والتجاوزات فهو أمر يحدث في كل الدول بنسب متفاوتة حسب الخبرات والإمكانات، غبر أن المأمول هو الاستفادة من التجارب المسجلة في هذا الاتجاه ودراستها وتطوير الخبرات تطبيقاً عليها والتمرس في تجاوزها وعدم حدوثها مستقبلاً وهذا لا يتم عادة إلا من خلال الخطط الاستباقية للأزمات والطوارئ، (وأكرر هنا) أن كثيراً من المجتمعات أو الدول التي أدركت بتجاربها وخبراتها حجم الكارثة - لو حدثت - اتخذت وسائل وسبلاً واحترازات وإجراءات استباقية، ليس لمنع الكارثة إذ إن هذا غير عقلي ولا منطقي، ولكن للتقليل من حجم الخسائر ماديةً وبشريةً، ولا تُعتبر المبالغ المدفوعة والمنصرفة على خطط مواجهة الأزمات والكوارث خسارة؛ إذ إن المردود واضح، والمكاسب سوف لا تُقدَّر بالمال، خصوصاً إذا أدرك المخططون والتنفيذيومقدار المسؤولية المناطة بهم وما يأمله المجتمع منهم، وعلى أي حال فالشواهد بارزة وملموسة والأمثلة لا تحتاج إلى تفسير، أعود لأقول إن مثل تلك الممارسات غير المسؤولة من البعض - جماعات وأفراداً -، - عصابات وعابثين - إنما هي صور تشوّه الوجه الجميل المشرق الذي يريده قائد التنمية الحديثة خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة، ولا سيما في مثل هذه الظروف التي مرت بها بعض المناطق في الأيام المطيرة وما تم بذله من جهود لتجاوز الأزمة، فكان المنتظر من هؤلاء أن يكونوا عوناً للجهات الرسمية والأمنية العاملة على راحتهم وحماية أنفسهم وممتلكاتهم، لا أن يكونوا عبئاً عليها، يضاف لذلك ممارسات الشباب بالمغامرة بخوض غِمار الأودية راجلين وراكبين، مما زاد الموقف تأزيماً وأعاق بعض الجهود.
t@alialkhuzaim