من قرأ توصيات “ملتقى العقيق” الذي عقد قبل أيام في المدينة المنورة لا شك أنه سيدرك أن المدن مهددة بخطر المد الحضاري المادي المتمثل في البناء والتشييد، والسفلتة، ورصف الممرات، وتصريف السيول والسعي إلى درء مخاطرها ما لم يكن هناك حلول جذرية سريعة.
فالبحوث والدراسات الحديثة باتت تؤكد على أن المدن مهددة بالغرق، أو بتلف الكثير من شواهدها الحضارية ومعالمها جراء البناء والإنشاء دون تخطيط حكيم ومدروس، فلا تبتعد توصيات “ملتقى العقيق” المعنية بأمر معالم المدينة المنورة عن مدن أخرى، إذ لا بد لها أن تسعى إلى تطوير آليات العمل وتدارك ما يمكن تداركه من أجل الحفاظ على هوية المناطق وتضاريسها وتكوينها البيئي.
ومن أهم هذه الآليات والوسائل هو القيام بدراسات جيولوجية دقيقة حول تكوين الأرض من حيث سطحها، وأعماقها ورصد إمكانات حدوث البراكين واحتمالات الزلازل في المناطق المأهولة بالسكان، إضافة إلى أهمية التنبه والحذر مما قد تسببه خيارات البناء والزراعة في مجاري الأودية وبطونها.
بعض توصيات هذا الملتقى العقيقي أضافت بحق بعداً فنياً لا يمكن التهاون فيه أو تجاوزه، لأن المرحة المقبلة ربما ستشهد تحولاً في المناخ، وتبدلاً في مفاهيم دورة الزمن فيما يتعلق بنشاط البراكين والزلازل التي باتت تزداد وتيرتها على مستوى غير مسبوق.
الأمر المهم أن تَدْخُلَ هذه التوصيات والمطالبات حيز التنفيذ، من أجل إنقاذ المدن، وأن يكون للعملية الإلكترونية والتقنيات الحديثة دور في بناء هذا المشروع الحضاري الذي سيجنب مدننا ما لا تحمد عقباه، أضف إلى ذلك أهمية أن تكون مفاتيح التطوير والتصدي لهذه الأعمال بيد الشباب الذي ستؤول إليهم هذه المرافق والمعالم.
ومن أجل الاستفادة من المعطيات القائمة، وبما أن الصور الفوتوغرافية المأخوذة حديثاً وقديماً لها دور بارز في تحديد معالم الكثير من المظاهر الحضارية والتراثية والجغرافية على نحو حدود الأودية ومسيرها وانتهائها.. فإن التوثيق من خلالها مطلب ضروري، ومن الأهمية بمكان قيام مراكز متخصصة في التصوير الرقمي وربطها بالخرائط الفضائية الحديثة، لكي يتم الاستدلال على هذه المواقع بيسر وسهولة، وتحديدها مساحياً وجغرافياً بدقة مناسبة للاستفادة منها في الحاضر والمستقبل.
وكما نسعى إلى رفاهية المدن ولمعانها واكتمال مظهرها الحضاري المادي فإنه من المناسب أيضاً أن نلتفت إلى معالمها التراثية والتاريخية التي قد تتهاوى وتغيب بسبب الإهمال وقلة الاهتمام، وتقادم الزمن، أو التشكيك في جدواها ومن ثم الإجهاز عليها بقصد أو بغير قصد..
تعليم وتدريب الأجيال الواعدة أمر ضروري من أجل أن يكونوا أكثر قرباً من التراث والتاريخ والحضارة التي قامت عليها بلادنا، علهم يتعلمون سبل العناية بالتراث والقيام بأدوارهم والحفاظ على مخزونهم الإنساني من خلال تكرار الزيارات لمثل هذه المعالم بقصد الشرح والإيضاح والاستفادة منها كجزء من بناء مقومات المجتمع ودوره في الحضارة والتنمية.
hrbda2000@hotmail.com