أمضى أبو مساعد حياته متنقلا بين مراحل عديدة.. من التخرج إلى الجامعة إلى التعيين الوظيفي ومن ثم الزواج والإنجاب.. كل تلك المراحل التي مر بها كانت مفصلية ولها تأثير كبير وعميق على حياته, بعضها كان سعيدا كترقيته الوظيفية, وإنجابه لطفله الأول مساعد, وغيرها من المناسبات المفصلية السارة التي لم تحظ باهتمام الناس كثيراً, ولم يكن لها نصيب كبير من متابعة الأقارب والأصدقاء، حيث لم يكن موضوع تهنئة أبو مساعد في أفراحه ومواساته في أتراحه محل اهتمام إلا حين دار الزمن وتفتحت أبواب الخير والحظ في وجه أبو مساعد, وتقلد منصب رئيس شركة عقارية وسياحية كبرى, حينها فقط كان أمام أبو مساعد مهمة جديدة عليه وهي التعاطي مع (نفاق) التهاني الذي غمر حياته فجأة, حيث ضج هاتفه بأرقام ورسائل من أشخاص لم يلتق بهم يوماً يعرفون عن أنفسهم برسائل تفيض مودة زائفة ومجاملات مزيفة، إلا ما ندر من الأشخاص والأهل المخلصين, كما أن بعض الشركات أفردت لخبر تعيينه مساحة في الصحف اليومية الكبرى صفحات تهنئة أرفقت في ذيلها اسم شركتها (شركة فلان بن فلان وإخوانه المحدودة لل... وال....) ناس لم يلتفتوا له يوما، وحين تقلد ذلك المنصب أغدقوا عليه المديح والثناء وغمروه بعبارات وكليشيهات مثل كونه (الرجل المناسب في المكان المناسب) وانه خير من يتولى ذلك المنصب وغيرها.
تلك الظاهرة التي تتكرر في مجتمعاتنا كثيرا مع إطلالة كل خبر تعيين فلان وترقية علان, حينها ستصاب بالغثيان والدوار من كمية النفاق الذي ستقرأه في الصحافة من صفحات تهنئة ومعاريض (تطبيل وتمجيد) وكأن ذلك الشخص أمام منصب تشريفي لا تكليفي, وكأن ما هو آتٍ من مهمات جسيمة ومسؤوليات عظيمة لا يتجاوز كونه نزهة ممتعة أكثر من كونها مسؤولية اجتماعية وإنسانية أوكلت اليه بأمر من الله لينجز عمله بإخلاص ويقضي شؤون الناس بمحبة وتفان لما لها عند الله من شأن عظيم.
ألم يبك عمر رهبة وخشية، واختلى في بيته ثلاثة أيام عابداً ساجداً داعياً الله يقول “اللهم إن كنت ابتليتني بهذا الحمل العظيم فامنحني ظهراً قوياً.. أبرأ إليك من حولي ومن قوتي ولا حول ولا قوة إلا بك” قالها حينما أخبره أبو بكر -رضي الله عنه- بأنه رشحه ليكون إمام المسلمين وخليفتهم من بعده لأنه استشعر عظم وثقل المسؤولية التي ستلقى على كاهله وجسامة المهمة التي كلفه الله بها, بأن يشرف ويتابع شؤون البلاد والعباد حتى قال يوماً: “لو أن بغلة سقطت في أرض العراق لخفت أن يسألني الله لم لم أسوي لها الطريق”.
هكذا استقبل الخبر, هكذا استشعر المسؤولية, وأدرك ما خلفها من معانٍ وتبعات. التهاني التي قد يصل بعضها الى مئات الآلاف والعزايم الاجتماعية, التي تمتد فيها الموائد بعشرات حلات الأرز والذبائح لن تجعل مسؤولينا قادة أفضل ولن تزيد من جودة عملهم، بل قد يكون لها نتيجة عكسية على نظرتهم الى شكل المنصب ومعناه الحقيقي.
المحبة الحقيقية والفرح النقي تجاه الأشخاص الذين شرفهم الله بقضاء حوائج الناس لا يكون بإسراف الآلاف لإحياء مناسبة كبرى أو شراء صفحات ملونة في الصحف ولا نظم القصائد العصماء ونشرها, بل بالنصح والتقويم والتذكير بحجم المسؤولية وضخامتها.
ولنا في لفتة الأمير محمد بن نايف عقب تعيينه وزيراً للداخلية وتعميم رفضه تداول الصحف تهانٍ لتعيينه الجديد أسوة ينتهجها غيره من الأمراء والوزراء والمسؤولين: فهل يدركون؟
Twitter:@lubnaalkhamis