قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
فوعد الله سبحانه وتعالى من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار وبالأجر العظيم والثواب الجزيل في دار القرار.
قال أحد السلف واصفاً حاله وهو في غمرة السعادة الحقيقية: والله إنه لتمر عليَّ ساعات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه (يعني من السعادة) إنهم لفي عيش رغيد.
وقال الآخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأنس بالله لجالدونا عليه بالسيوف.
قال ابن القيم -رحمه الله- (في كتابه مدارج السالكين):
«في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً».
إخواني: إذا أصبح العبد وليس همه إلا رضا الله وحده، تحمل الله سبحانه وتعالى عنه حوائجه كلها، وفرَّج له كل ما أهمه، وفرَّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وحقيقة السعادة ومدارها في طاعة الله تعالى والإيمان به واتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى - أن لسعادة العبد ثلاثة مقومات: «إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر» .
وقال سفيان الثوري -رحمه الله: «ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث: أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيراً إن رآني زائغاً قوَّمني أو مستقيماً رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله عليَّ فيه تبعة ولا لمخلوق عليَّ فيه مِنَّه، وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأرزق أجرها».
أما أسباب السعادة فكثيرة، أذكر منها باختصار:
1- الإيمان بالله والعمل الصالح.
2- الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف.
3- الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه.
4- اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي، وبالتالي يصلح يومه ووقته الحاضر ويجد ويجتهد في ذلك.
5- الإكثار من ذكر الله تعالى، فإن ذلك من أعظم الأسباب لإنشراح الصدر وطمأنينة القلب وزوال همه وغمه: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
6- النظر إلى من هو أسفل منه، فإنه أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه.
7- السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها.
8- تقوية القلب وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة.
9- الاعتماد والتوكل على الله والوثوق به سبحانه والطمع في فضله، {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
10- أنه إذا أصابه مكروه أو خاف منه فليقارن بينه وبين بقية النِّعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النِّعم وتستريح نفسه وتطمئن.
اللهم اجعل أنفسنا طيبة مطمئنة طائعة لك، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وتخشاك حق خشيتك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : 0504885116 - a.m.alrayes@hotmail.com