إلى أبي رحمه الله.. إلى إخوتي يحفظهم الله..
ماتت قلوبُ الأماني حين ماتَ أبي
ماتت فعالُ كريمِ النفسِ والحسبِ
واستعبر الجودُ يبكي فقْدَ صاحبِهِ
واستصرخَ القول من نثر ومن خطبِ
ربى رجالا على الأخلاق منهجهم
إن غابت الشمس فالأقمار لم تَغِبِ
هم عدتي لليالي في تقلبها
هم إخوتي لظلام الليل كالشُّهُبِ
كسا الحرائرَ أثوابَ العفافِ فكم
مِن مَكرمُاتٍ نَمَتْ فينا ومِنْ أدبِ
واستسهلال وعر ما خارت عزائمه
ولا أناخ ركاب الصبر في النُّوَبِ
وما استخف حجاه الدهر فيصعد
ولا اشتكاه إذا ما كان فيصَبَبِ
أصاب منا حمام الموت خير أبٍ
لكنَّ أيامَهُ البيضاءَ لم تُصَبِ
كنت المجيبَ إذا داعي الإباء دعا
من ذا يجيبُ إذا المقدامُ لم يُجِبِ؟
كم ذا عجلتَ إلى الخيرات مفتتِحاً
للعرفِ باباً، وكم فَرَّجْتَ من كُرَبِ
وما انزويتَ عن المكروبِ معتذراً
ولا استترتَ عن الملهوفِ بالحُجُبِ
وما مشيتَ إلى جارٍ بغيبتِهِ
ولا طرقت َدروبَ الشكِّ والريبِ
كم قمتَ بالحق للأضياف ما جَمَدَتْ
يمناكَ بالجودِ لو في الموسمِ الجَدِبِ
يا والدي طابَ غرسٌ أنت ناظرُهُ
فانظرْ بروحِكَ لولا الصدقُ لم يَطِبِ
واليومَ تتركُ غرساً زاهراً ينعاً
إن الرجاءَ الذي رَجَّيْتَ لَمْ يَخِبِ
أفنيتَ عمرَكَ ترعاهُ وتحرسُه
والآخرونَ مضوا في اللهو واللعبِ
يا والدي إن طواكَ الموتُ في جَدَثٍ
فأنتَ في مُهَجِ الأحبابِ لم تَغِبِ
تظلُّ يا أبتاهُ حاضراً أبداً
وإن بَعُدْتَ قَرِيباً جِدَّ مُقْتَرِبِ
إن يَفخرِ الناسُ بالدنيا وزخرفها
ففخرنا أنتَ يا ابنَ السادةِ النُّجُبِ
علّمتنا أن نيلَ المجدِ مُرْتَهَنٌ
بالعلمِ والحزمِ لا الأموالِ والذهبِ
علّمتنا أن عيشاً ليس تَحْكُمُهُ
مبادئُ الخيرِ عيشٌ سافلُ الرُّتَبِ
علّمتَنا كلَّ معنى للوفاءِ فنَمْ
قريرَ عينٍ، ودُمْ في خيرِ منقلَبِ
- د. شريفة بنت سلامة أبو مريفة (شمس الأصيل)