كيف لنا أن نتخيل لو أن المستشفيات سواء منها المتاحة للمواطنين كافة أو المخصصة لفئات معينة من المواطنين كالأجهزة العسكرية مثلاً، لو أنها كانت وحدها في الميدان، ولم يشتغل القطاع الخاص بذكاء تجاري بحت للإفادة من العجز الكبير المزمن في الجانب الصحي وتغطية هذا العجز بالمستشفيات والمستوصفات الخاصة؟! تخيلوا ماذا سيحدث من أزمات زيادة على ما هو حاصل؟ على الرغم من أن كثيرين من المواطنين لم يغطوا بالتأمين الطبي من مراجعهم العملية كما هو الشأن لموظفي الشركات الكبيرة؛ كأرامكو أو سابك أو الاتصالات أو الكهرباء والمياه!.
الحقيقة المرة: أن نسبة كبيرة من المواطنين ترعى نفسها صحيا؛ فتنفق على رعاية أسرها الكثير من المال الذي قد يكون مجدياً ويعين على تجاوز المرض بإذن الله، وقد يكون استنزافا رخيصا لجيب المواطن دون جدوى؛ فالغرض التجاري المادي الشرس المتكسب من حالة التأزم الصحي التي يمر بها أي مريض تدفعه إلى أن يسير في طريق البحث عن حل لوضعه الصحي مهما كلفه الثمن، فيدفع حتى لو استدان أو ضيق على نفسه إلى أن يطمئن على وضعه الصحي تماماً.
لكن إلى متى يا ترى ووزارة الصحة تدفع المواطنين دفعاً برغبتها أو بغير رغبتها إلى القطاع الخاص الذي يعمل مع الأسف، وإن تخبأ تحت دعايات براقة وفق تخطيط ورؤية تجارية خالصة؟! قد يقول قائل: وما الضير في ذلك؟ هل تريد من أصحاب الأموال أن يفتحوا مستشفيات مجانا ودون عائد ربحي؟! أقول: لا.
لابد أن يسعوا إلى الربح، لكن بتوازن دقيق بين الروح الإنسانية والوطنية والغاية التجارية، وهم لا يلامون في ذلك إن تجاوزوا القدر المعقول من تطلب المكاسب، وإنما اللوم كل اللوم على من أتاح لهم ذلك برغبة أو بدون رغبة ودفع المواطنين دفعا إلى أن يلجؤوا إلى التجار الأطباء لا إلى الأطباء التجار! هل من المعقول يا جماعة أن ينتظر مواطن محتاج إلى قلع سن ستة أشهر أو سنة في مستشفيات وزارة الصحة؟ وهل يمكن تأجيل موعد عملية لا بد منها مثل ذلك الوقت بحجة عدم وجود سرير أو ازدحام غرف العمليات؟!.
إن لعجز وزارة الصحة المزمن عن تغطية حاجة المواطنين للعلاج وفق مستوى مثالي ممتاز، وللنقص الكبير الفادح في عدد المستشفيات رغم الخطط التي تتلو الخطط والمواعيد التي تعقب المواعيد، يلجأ المواطن مضطرا إلى الاستعانة بأصحاب القرار إما في الديوان الملكي أو في إمارات المناطق، وهم -جزاهم الله خيرا- لن يردوا مواطنا، ولن يغلقوا أبوابهم أمام محتاج، فيصدرون أوامرهم بعلاج من يحتاج إما في التخصصي أو في العسكري أو في مدينة الملك فهد الطبية أو مدينة الملك عبد العزيز الطبية، وهي قلاع طبية عالية القيمة وبالغة الأهمية ومكاسب وطنية نفخر بها، ولكنها -كما نعلم- متخصصة وتخدم فئات معينة - فمتى يمكن أن يجد المواطن طريقه مفتوحاً إلى العلاج المتميز في مثل هذه القلاع الطبية تابعة لوزارة الصحة دون شفاعة أو طلب أمر للعلاج من إمارة أية منطقة؟!.
إن عجز وزارة الصحة وخططها وضعف نموها إن كانت تنمو، وتأخرها الذي لم يعد له ما يبرره في تطبيق «التأمين الطبي» للمواطنين غير المشمولين بالرعاية الطبية دفع المواطنين دفعاً إلى طلب عون العلاج من أصحاب القرار، وفي هذا إشغال لهم عن مسؤولياتهم الأخرى الجسيمة وإرباك للأجهزة الطبية الأخرى، ودفع ذلك العجز مواطنين آخرين إلى الضغط على أنفسهم واقتطاع جزء كبير من مواردهم المالية لضخها في خزائن تجار الطب في المستشفيات الخاصة!. لقد توالدت وانتشرت كالفطر دكاكين الطب على قارعات الطرق وفي الأحياء، كما انتشرت قبلها دكاكين التعليم في كل زاوية وحي؛ لعجز وزارتي الصحة والتربية عن الوفاء بحاجة المواطنين إلى التطبيب والتعليم، فأصبح المواطن ينفق على نفسه طبيا وعلميا، ويقتطع من قوت أبنائه ما يطببهم ويعلمهم، متناسيا أن ميزانيات بالمليارات لهاتين الوزارتين تكب في رصيدهما كباً كل سنة مالية، دون أن يغير من الفقر الزمن إلى التطبيب أو التعليم المتميزين! هل من المقبول في هذا الزمن أن يذهب المواطن المحتاج إلى العلاج إلى الإمارة لطلب الشفاعة والحصول على أمر لدخول مستشفى، قبل أن يولي وجهه - كما تقتضي الأصول ويوجب التخصص - إلى الوزارة المعنية، وهي الوزارة التي نسمع لها جعجة ولا نرى لها طحينا «وزارة الصحة»؟!.
هل من المقبول أن يطلب مواطن أمرا بتوليد زوجته؟!. وهل من اللائق أن يضرب مواطن أخماسا بأسداس ليبحث عمن ينقذه أو ينقذ قريبا له من باب الفزعات وشحذ الهمم والعزائم والنخوات القبلية لمساعدته في تحويل مريضه من مستشفى جنائزي - كما هو حال معظم مستشفيات وزارة الصحة - إلى مستشفى متخصص يمكن أن ينهض بالمهمة على خير وجه؟!.
لقد حصل موقف لأحد أقربائي كان مفزعا ومؤلما أشد الألم، فقد استصدر أمرا من أحد الكرام لعلاج زوجته في مستشفى الملك فهد الطبي، بعد أن لم يجد لها مكانا أو علاجا مناسبا في أي مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة، وحين لجأ بها إلى طوارئ مستشفى الملك فهد وبعد الكشف عليها والاطمئنان إلى أن حالتها لا تعد في خانة الطوارئ أخرجوها متعللين بأن ملفها قد أقفل لانتهاء المدة وهي ثلاثة أشهر. يحكي لي صديقي فيقول: وحين رأيت زوجتي تتألم وتئن ولم تعط دواء وتركها الفريق الطبي ولم يجد معهم الحوار، والوقت يمضي ولا أعلم عن مدى تطور الحالة قررت الذهاب بها إلى أقرب مستشفى خاص، وتم تنويمها ثلاثة أيام وإجراء الفحوصات اللازمة وإعطاؤها العلاج وشفيت ولله الحمد، وكلفت فاتورة العلاج أكثر من خمسة عشر ألف ريال!. قلت: لو لم يكن هذا الصديق قادرا على الإنفاق على علاج زوجته ولم يكن في رصيده ما يسدد فاتورة المستشفى الخاص هل يدعها تموت في الشارع؟! كم من حالة مريرة مرة تشبه هذه الحالة؟! وكم من مواطن يدور حتى بورقة أمر علاج لم ينفذ لعدم وجود سرير فارغ؟! هل يجد معالي وزير الصحة عذرا مقنعا في عدم تطبيق «التأمين الطبي» على أعلى مستوى كما في دول العالم المتحضر؟! وهل يعلم معاليه أن «التأمين الطبي» كان بوابة رئيس أقوى دولة في العالم «أوباما» للوصول إلى السلطة، وأن أي إخلال أو نقص في بنوده يمكن أن يطيره من كرسيه؟! فهل أنت يا معالي الوزير مؤمن لدينا على كرسيك من خطر عدم التأمين؟!.
moh.alowain@gmail.commALowein@