أنظر إلى عائلتي، وأتساءل عن القبح الذي رسّخ الكراهية والعداوة بين أفرادها، (أمي) تؤمن أنّها على حق. (منال) تعتقد أنّ أبي شوّه حياتها وأنّ من حقها أن تتخلَّص من شبحه. (سناء) تهزأ منه حيناً وتشعر بالشفقة عليه حيناً آخر. (أبي) ممدَّد صامت يمتصُّ روائح منزله البالي وعائلته المشوّهة).
(منى) فرّت بخارج جسدها في ذاكرة الروائية (عفاف البطاينة) وفرّت بداخلها لترجع إلى عائلتها بعد أن نوت نسيان قبحٍ رسّخ الكراهية والعداوة بين أفرادها. قبح أسّس له والدها بقسوته، وجبروته، ودنسه، حينما نال زوجه وأبناءه فكان أن فرّت (منى) من قسوته لتتنقّل بين أحضان أزواج قساة لم يلبث عقد الزواج أن انحل.
(خارج الجسد) رواية لعفاف البطاينة ونتائج ظلم الأب واستبداده على الزوجة والبنات بوجه خاص إذا ما علمنا أنّ الابن قادر على الفرار من استبداد الأب وظلمه بسبل عدّة بخلاف الأنثى المقموعة في الرواية، حيث نوت (منى) ردّ القمع محتملة نتائج الرد كطرق الفشل لأول نافذة زوجية واربتها للقادم.
يستمر الاستبداد والظُّلم حتى تتناقص قوى البشر، وتضعف قدرتهم فيوشك المستبد الظَّالم على الموت. فكيف حال من نالهم شيء من استبداده وظلمه؟.
الأم - الزوجة.
(لم تبصر أمي انكسارات أبي حين كان يغمض عينيه ويشد أجفانه وتتسلَّل من بينهما دمعة وحيدة)
لماذا لم تبصر الأم - الزوجة انكسارات الأب - الزوج؟
(مثلما لم يبصر أبي انكسارات أمي حين كان قادراً على النظر)
تساءلت (منى) إن كان من حقها أن تتوقع من أمها رؤية معاناة أبيها؟
وتساءلت أيضاً إن كان من حق أبيها أن يتوقع شفقة أو رحمة من أمها؟
الأب في صحّته أسقط معول الظُّلم والجبروت على زوجته.. وهي الآن تراه منكسراً ضعيفاً، فهل يتوقع منها الرحمة والشفقة؟ هكذا تساءلت ابنتهم (منى).
مشهد مأساوي لأسرة (منى) تكفّلت وحدها بتسليط شعلة الضوء حول لقطات المشهد.
بعد معاناة فرّت بنفسها، وخرجت بجسدها عن كيان الأسرة ومآسيها، وظلم الأب واستبداده. بيد أنّ الذّاكرة تختزن، وينهال ما اختزنته في ساعة صفاء وارتياح.. ليطلق الحنين صدى صوته وإن يكن حنيناً للبؤس والألم، فلا أحد قادر على الانسلاخ من كيانه أو التفريط في دمه، وإرث عائلته داخل الجسد أو خارجه.
آبت (منى) فوجدت أختها (منال) نسخة مشوّهة، قُصّت من أبيها ونُسِخَت فيها.
(منال .. قالت لابنتها التي ركضت نحوها والتي بدت في السادسة أو السابعة من عمرها:
- (انقلعي من وجهي).
شعرت الصغيرة بالخجل واختفت وراءها. خيِّل إلي أنّ كثيراً من خصال أمي وأبي ورثتها (منال) حين صفعت ولدها فوق وجهه لأنّه يركض ويحدث صوتاً ورفض أن يستجيب لأوامرها.. لم أعرف من كان الضحية ومن كان الجلاد حين لُمتها على فعلتها فأجابتني:
- يا شيخة طول نهارهم بوجهي مثل (القرود).
ورثت (منال) ظلم واستبداد والدها من حيث لا تشعر.. لأنّها لم تستوعب ماهية الظُّلم فتقي نفسها وأبناءها من تشرُّب سائله وسكبه عليهم كماء نار تشوِّه معالم الخَلق والخُلق الإلهي.
يخطئ من يظن أن فاقد الشيء لا يعطيه.. فاقد الشيء يعطيه إن استوعب ما فقده وشحن نفسه بما فقد إن تثقيفاً، أو بحثاً واستجداء، وسدِّ منافذ النقص بما لدى الآخرين.
لغة القمع لم تنفع لدى (منال) شقيقة الساردة (منى) حينما تبعتها لغة التهديد والإذلال والاحتقار والإرهاب عن لسان (منال) حتى عندما وضعت الأم الطعام واجتمعوا حوله. كانت (منال) تقدم الأكل لأولادها مرفقاً بعبارات (ريتك للسم يسمك).. (بالسم الهاري).. (تفضلي يا مفجوعة).
حتى الطفلة التي ترضع من ثدي (منال) لم تنل حليباً صافياً، بل ابتلعته مع نظرات غاضبة وعبارة:
- (إنشا الله آخر رضعة).
لم تتقبّل (منى) ظلم الأب ففرّت هاربة وحينما رجعت دنا أجل والدها لم تحتمل ظلم الأخت فأصرّت على استمرارية الهروب لتهب ما لديها من حضن أمان وحنان لابنيها (آدم وجودي) وستيورت والد جودي.
(طلب مني ستيورت أن أرجع مشبعة بالدفء. تمنيت ذلك واختزنت كثيراً من حبه في صدري وسرت).
متى نعتاد على اختزان الحب في صدورنا حين مغادرة من نحب ونستعيده كلما عنّت علينا الذِّكر وعنّ الحنين؟؟!!
استبدلت (منى) كل ما يذكرها بالماضي من خارج جسدها، وأبقت ما بداخل جسدها من حنين الدم والعرق وأول ما أبقته الصوت.
(وحده صوتي القديم بقي كما كان، وسيبقى ليدافع عن حقي في الحياة كما أشاء).
(قالت لي (سناء) في لقاء على هامش المؤتمرات إنّ صوتي يشبه صوت أخت لها لا يعرف أحد أين ذهبت).
غاب صوت (الأب) الظّالم المستبد بعد انكسار، وورثت (منال) ظلمه واستبداده، وفرحت (الأم) بغياب الأب بعد أن اشترت له الكفن ووضعته إلى جانبه لتذكِّره أنّه سيرحل قريباً.. ومنال تريده أن يعاني أكثر..!!
يا إلهي .. هل نقف في وجه كلِّ أب متسلِّط ظالم مستبد ونشهر سيف الرفض..!!؟
أم نستنكر على الأم والأبناء فرحتهم بدنو أجله..!!؟
ثقافة الظُّلم والاستبداد غيّبت الرحمة..،،
أم أنّ الرَّحمة كانت معرَّضة للغياب في منطق البعض فقد تنتظر ظلماً واستبداداً يغيِّب معالمها، مَعلَماً، مَعلَما..!!؟؟
رشة مطر
قطرتا مطرٍ عبقٍ ل... بدور بنت إبراهيم الأحيدب
- أتعبني كيد الرمح وأنا أنزف ألماً خلف قضبان الندم وصدري ممزق، كم هو موجع هذا السراب الذي كنت أتبعه لأجد في نهاية الأمر خيباتي المتوالية وأسقط وحيدة في بئر عميقة أنتظر يداً تنتشلني لأحيا من جديد.
- أحياناً نحاول أن نهزأ من الألم رغم قسوته بقهقهة غبيّة تزيد وجعنا لنعلن الاستسلام بطريقة أخرى وبلون آخر جديد غير البكاء.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil