عزيزي القارئ، لدي بعض الأسئلة لك: (1) متى آخر مرة شيّكت على سيارتك؟ (2) إذا ثبت لك أن الورشة لم تتقن صيانتها فهل ستكنسل التعامل معهم؟ (3) ماذا لو أتى مدير الورشة واعتذر وقال لك إن الموظف المهمل الذي أساء إلى سيارتك قد فنَّشوه؟
والآن سؤال عمّا سَلَف: ما الموضوع الذي تحوم حوله هذه الأسئلة؟ قد تظن أنه عن السيارات أو الصيانة أو حتى عن طريقة تعاملك مع المؤسسات التجارية، لكن ليس هذا هو الموضوع، بل ما أرغب فعلاً أن أسألك: هل لاحظت شيئاً خاطئاً في الأسئلة السابقة؟ إذا رأيتَ أنها سليمة فهذا نذير سوء، فأول ما يجب أن تلاحظه هو تلك الكلمات الدخيلة: التشييك، الكنسلة، التفنيش. شيئاً فشيئاً بدأت هذه الكلمات الأعجمية تلوّث لغتنا العربية، وليس مجرد استخدام كلمة غير عربية خطأ في حد ذاته، وإنما ترْكُ الكلمات العربية الموجودة أصلاً والاستعاضة عنها بالأجنبية هو المُخزي، فما عُذر من يستخدم الكلمات التي في الأعلى عوضاً عن نظيراتها العربية؟ بدلاً من التشييك نستطيع أن نقول فحْص، ومكان الكنسلة لدينا إلغاء، ومحل التفنيش نجد كلمة فصْل.
ما الذي يدعو إلى اتّباع هذه الظاهرة القبيحة؟ أحد الأسباب هو الكسل، فيكسل المرء عن ترجمة كلمةٍ ما ويأخذ نظيرتها الانجليزية (أو الفرنسية سابقاً لما كانت فرنسا إمبراطورية ذات صيت، أما الآن فقد هزلت وانكمشت ليس جغرافياً فقط بل ثقافياً بعد أن ذهبت إمبراطوريتها وعزُّها وكذلك لما حلت الثقافة واللغة الإنجليزية مكانها). أجد هذا الكسل أيضاً في المجال التقني، ففي البريد الإلكتروني مثلاً بدأت ألاحظ البعض يستخدم كلمة «أُفَرْوِد»! هذه مأخوذة من كلمة «فوروارد» الإنجليزية التي تعني في هذا السياق توجيه، أي توجيه بريد إلكتروني إلى شخص آخر. ما العذر هنا وهذا الشخص يقدر على استخدام كلمة «أوجِّه»؟
غير الكسل فهناك الانهزامية، وهي أن يُفتَن الشخص بحضارات أخرى فيقلدهم في لباسهم وهيئتهم وحتى لغتهم، ويستخدم تلك الكلمات لأنه يشعر بالنقص من هويته ولغته، ظاناً أن استخدام اللغات الأخرى حَرِيٌّ أن يوصل هذا المسكين إلى الرقي والحضارة، وأتذكر مشهداً رأيته في أحد الأماكن العامة، وهو مشهد 3 أشخاص حولي أسمعهم لكن لا أراهم بوضوح وهم يتحدثون الإنجليزية، ويتخلل كلامهم بعض الكلمات العربية، وظننتهم غربيين يستخدمون كلاماً محلياً، ولما قاموا ورأيتهم بوضوح تفاجأت أنهم من أبناء جلدتنا! ورغم هذا كان جُل كلامهم بلغة أخرى. هذا المشهد الجدير بالازدراء ليس نادراً الآن للأسف، فما زلنا نرى البعض وهم يحاولون إدخال أكبر قدر ممكن من الكلمات الأجنبية إلى لغتهم، لغة القرآن ولغة رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، خير اللغات وأعظمها فصاحة وتمكناً من التعبير عن الفكر والنفس، ولعل قلة قراءة وتعلم اللغة العربية سبب يدعو هؤلاء المنهزمين لاحتذاء أثر أمم العجم في لغاتها، وإلا لو اطلعوا قليلاً على بعض ما أبدعته قرائح الأدباء -سواء المعاصرون أو القدماء- وكيف طوّعوا اللغة العربية وتفننوا فيها لخجلوا من استخدام أي كلمة غير عربية، إلا في مواضعها الضرورية مثل بعض الكلمات العلمية التي لا ترجمة لها في لغتنا، ولعكفوا على مخطوطات الأدب العربي ينهلون من عذوبتها حتى ترتوي عروقهم. أدعو القارئ الكريم إلى الحذر من هذا الفخ، وتنبيه الذين يقعون فيه، لئلا تتشوّه لغتنا الفريدة بهذه الدخائل.
Twitter: @i_alammar