عندما يستبيح بعض المجتمع بعضه، هل يجوز التكبير؟.
الحروب الأهلية، أي احتراب الداخل مع بعضه، من أكبر الفواجع في تاريخ المجتمعات والأمم. في الحروب مع الخارج يحارب الإنسان بوجهه مع العدو وظهره محمي من الداخل. في الحروب الأهلية لا يميز أحد حقيقة وماهية الذي أمامه من الذي خلفه، ولا الذي بجانبه من البعيد عنه.
في الحروب الأهلية تحدث أكبر الفواجع وأطولها لأنها تشب أولا بين طرفين ثم أربعة ثم متواليات عددية لا نهائية. لاحقا تنحرف إلى تجارة قوادة واستعباد واستباحة دماء وأعراض لا يريد تجار الحروب أن يكون لها نهاية.
يقول أحد الناجين من مذابح الحرب الأهلية في يوغوسلافيا: كنا نعيش متجاورين، نلعب الورق في الأمسيات مع بعضنا، نتشارك في احتفالات الأعياد والمناسبات العائلية.
كنا نعيش داخل ما اعتقدناه تآخيا وطنيا ورثناه من أجدادنا.
كنا نتكلم نفس اللغة وندخل أطفالنا في نفس المدارس، بيوتنا مفتوحة لبعض. وإذا سافر واحدنا طلب من جاره أن ينتبه لبيته حتى يعود.
فجأة تغير كل شيء.
رفع خمسة أو ستة متعصبين صرب رؤوسهم عند تراخي وفساد السلطة المركزية في بلغراد وبدؤوا يطالبون باستعادة صربيا الكبرى والتخلص من الأجانب.
لم نكن أجانب، كان بعضنا مسلمين وبعضنا كاثوليك وبعضنا أورثوذوكس، لكننا جميعا كنا ننتمي إلى نفس الخلطة السلافية.
فجأة بدأت الملامح في الجوار تتغير ولم يعودوا يبادلوننا تحية الصباح، وفي المقاهي صاروا يتحاشون الجلوس معنا، وبدأ أولادنا يسمعون في المدارس أشياء كريهة عن بعضهم البعض.
لم يدم الأمر طويلا حتى بدأ القتل على الهوية الدينية، ونسي الجميع شيئا اسمه الوطن اليوغوسلافي، واكتملت الفاجعة بالحرب الأهلية الشاملة.
انتهى حديث الناجي من مذابح الحرب الأهلية في يوغوسلافيا.
الآن دعونا ننظر فيما يدور حولنا في الجوار الذي ننتمي إليه لغة وديانة وتاريخا داخل الإطار العربي الواحد. لا حاجة للحديث عن العراق.
حدث هناك ما حدث في يوغوسلافيا. أولا بدأ التوجس المتبادل بين الجيران، لم يوجد حكماء يضبطون الأمور المرحلية بعقلانية أكبر وأعمق من المرحلة نفسها.
تم الاستنجاد بالخارج، وهذا الخارج كان ينتظر منذ مئات السنين هذه الفرصة التاريخية. انتهى العراق كدولة ومات. لكن الحرب الأهلية فيه ما زالت مستمرة.
سوريا تعصف بها حرب أهلية طاحنة، وفيها يصرخ الواحد «الله أكبر» حين يقتل واحد من الطرف الآخر.
حتى النظام الباغي أوجد لنفسه مرجعياته الدينية من كل المذاهب المتوفرة في سوريا، وكلها تستنفر الناس للجهاد ضد بعضهم البعض. يطلقون الصواريخ ويلقون البراميل المتفجرة ويقصفون بالدبابات ويصرخون الله أكبر ويقتلون عشوائيا لإبادة أكبر عدد ممكن من الطرف الآخر.
الطرف الآخر الثائر ضد البغي يصرخ بدوره: الله أكبر عندما يطلق رصاصة على شبيح أو قذيفة على دبابة أو صاروخا على مبنى سكني.
هذا الطرف الآخر وهو يقاتل ويكبر لم يستطع حتى في ظروف المرحلة المفجعة والرهيبة أن يبلور إجماعا مقنعا بالاطمئنان إليه بعد أن تضع الحرب أوزارها.
الآن أصبح أربعة ملايين سوري لاجئين في الخارج، وسوريا صارت ركاما ً، بما في ذلك تاريخها ومساجدها وكنائسها ومذاهبها وتراثها الموغل في القدم.
لكن الحرب الأهلية مستمرة والجميع يصرخ الله أكبر.
نعم الله أكبر لكن على من؟. الجميع في سوريا قاتل مقتول، وذئاب اليهود والفرس والروم والترك تحوم حول الفرائس وتنفخ في النيران المستعرة في الداخل.
الحرب في حقيقتها هناك حرب قوميات تستغل الغباء المذهبي الكامن في رؤوس المتحاربين، ويطربها أن تسمع صيحات التكبير المتبادلة.
هل مصر وتونس واليمن مقبلة على نفس المراحل الغبية المفجعة؟.
ثم ما هي النهاية النهائية، هل فكر في ذلك أحد؟.
كم هو مؤلم للروح والعقل سماع صيحات التكبير المتبادلة بين متقاتلين على الوصول إلى الهاوية.