وعدت القارئ الكريم بالبدء بطريفة من الطرائف التي ينتقيها الدكتور عبدالعزيز الخويطر في سيرته الذاتية، فقال في «ص 73» في كتابه هذا: ومن الطرائف أن أحد الإخوان -من الوزراء- والطرائف مهمة في حياة الإنسان، لأن الجدّ دائماً ينهك الصحة، ومثلما أن الطعام لا يصلح أكله إلا بالملح وكذلك الطرائف:
ملح المجالس، وكل شيء بمقدار، وأحب الله الوسط من كلّ شيء.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمزح مع أصحابه ويضحكون ولا يقولون إلا حقاً ومفاكهاته مع نعيمان مشهورة، قلت هذا مقدمة لمزاح الوزراء فيما بينهم في المطار فترة الانتظار للطائرة الخاصة، فقد قال: ومن الطرائف أن أحد الإخوان متزوج زوجتين ويقوم بالدعاية الحامية للتزوج بأكثر من واحدة، ويأتي بالحجج والبراهين لفائدة تعدد الزوجات، وتختلف النظرات إليه، فنظرة تظن أنه واقع في مشكلة، ولا يريد أن يبقى في المكان وحده، آخذاً بحكمة الثعلب، الذي كان هو وثعالب أخرى تنزل من جبل إلى مزرعة يعيثون فيها بالدجاج، فنصب لهم الفلاح فخاً، إلا أن الفخ لم يصطد إلا ذيل الثعلب، وصار الثعلب مقطوع الذيل، أصبح خجلاً، ممن حوله من الثعالب، فاحتال على قطع أذيالهم، فقال لهم إن الإنسان وصف لهم ذيل الثعلب دواء لمرض يلم بهم دائماً ولهذا لسلامتكم اقطعوا أذيالكم وإلا فسوف تستأصلون، فقطعوا أذيالهم ولم يبق في الشقاء وحده ص «73-74».
ثم قال وهناك قصة تسير على هذا المنوال: كان لي جار في الملز، عندما كنت أسكن بيتي غرب باب حديقة الحيوان، وكان متزوجاً بثلاث، ودعا والد إحدى الأزواج، وكان ذا مقام كبير خارج المملكة، وعند مجيئه للرياض دعاه صهره ذو الأزواج الثلاث، ودعا جيرانه وكنت من بينهم جار عند زوجين، وأخذ جارنا ذو الثلاث أزواج يحث صاحب الاثنتين، أن يتزوج ثالثة، ومن جملة ما أورده، في محاولة إقناع صاحبه في أن يتزوج ثالثة قوله: إن الاثنتين من السهل أن تتفقا عليك، فأدخل بينهما من تقضي على اتفاق بينهما، ومن ثم على أي فكرة تفكران فيها لأي اتفاق.
قال ضيف الشرف وهو رجل ذو مقام، عاقل رزين مثقف: لا تنصت لكلامه، فإنه واقع في أمر مشكل ولا يريد أن يبقى في هذه الحال وحده، ومما يعزيه أن يوقع غيره فيما وقع فيه.
وهناك الأبيات المشهورة التي نفّس بها صاحب اثنتين عما في صدره بعد أن هوجم في زواج اثنتين:
تزوجت اثنتين لفرط مهلي
بما يشقى به زوج اثنتين
وقلت أصير بينهما خروفاً
أنعم بين أكرم نعجتين
فصرت كنعجة تضحى وتمسي
تداول بين أخبث نعجتين
رضى هذي يهيج سخط هذي
كذاك الضّرّ بين الضّرتين
وللقصيدة بقية خمسة أبيات لمن يريدها يراجع كتابه هذا «ص 76» ثم مداولة الحديث في هذا الموضوع الذي لا ينتهي إلا بإضاءة أربطوا الحزام عند نزول الطائرة «ص 74 - 77» وينتقد التبضع من نساء المملكة في عبورهن للبحرين، ونساء البحرين في عبورهن للمملكة مع أن البضاعة واحدة «ص 79».
وعن كتابه «أي بني» ففي يوم الثلاثاء العاشر من صفر بدأت كتابة الجزء الرابع منه، وهذا هو الجزء الخاص بالأمثال، وأي بنى بدأ أول ما بدأ بمقالة ثم صار جزءاً واحداً ثم تلاه الجزء الثاني والثالث والرابع وسيأتي إن شاء الجزء الخامس وهو آخر جزء في هذه السلسلة «79-80» وفي «ص 81» عن السيارة الرسمية قال: في يوم السبت 14 من شهر صفر، اشترت وزارة المالية لوزارة المعارف لاستعمال الوزير سيارة (لكزز)، واتفق مع وزارة المالية أنها تدفع القيمة من خارج ميزانية وزارة المعارف، وكانت السيارات حينئذ تؤمن لمدة أربع سنوات تبدل بعدها بأخرى، والقديمة تعاد لوزارة المالية، فتبيعها الوزارة بالمزاد العلني، ثم تطور نظام تأمين السيارات، وأصبحت الوزارة تؤمن للوزير كل أربع سنوات سيارة والقديمة تصبح ملك الوزارة، وحددت وزارة المالية مبلغ الشراء بـ250 ألف ريال لا غير، فإذا زاد المبلغ عن ذلك لاختيار الوزير لسيارة قيمتها أغلى، يدفع الوزير فرق المبلغ الزائد من جيبه الخاص ولا يزال العمل يجري على ذلك حتى الآن «ص 81-82».
وعن مذكرات شهر صفر ذكر الأبرز وهو الثورة التي قامت في روسيا على جورباتشوف ووقوف يلتسن ثم عودة جورباتشوف بعد ثلاثة أيام والقضاء على الثورة ثم قال: قرأت في هذا الشهر كتاباً في التاريخ تأليف علي الطنطاوي الكاتب المبدع صاحب الأسلوب السلس القوي الجذاب، ثم تحدث عن المسؤولية فقال: المسؤولية حمل ثقيل، ولا يعرف مدى ثقلها إلا من جربها، أو تبصر في أمر من حملها وعانى منها، سواء أبداه أو ستره، ونجاح المسؤول في حمل المسؤولية، يتوقف على إدراك حملها على تأدية الأمانة على أكمل وجه حسب الاستطاعة «ص 87-88» وأورد قصة في تحمل المسؤولية جاء فيها: أن شخصاً وهو من المؤهلين تطلع للحكم إلى أن يحل محل الحاكم السابق، وطلب من أحد أصدقائه اللصيقين تعضيده فنصحه صديقه أن يبتعد عن هذا التطلع، وأن يتجنب هذا العمل المحرق وليطلب من الله سبحانه أن يجنبه عنه ويريح ويستريح، فلم يقتنع هذا المتطلع إلى الحكم بما ذكره صديقه، وبقي بريق الحكم يلمع أمام عينيه، وبقي مصراً على السعي لنيل الحكم، فقال له الصديق الناصح: سوف أجعلك تمر بتجربة عملية طفيفة، تبين لك ما أرمي إليه، فإن حمدتها واقتنعت من مجرى حوادثها، وأن تبقى على طموحك، ساعدتك لبلوغ غايتك، وإن كانت الأخرى فلك الحكم حينئذ.
فلما حان وقت المتطلع للنوم، جاء الصديق وعلّق على رأسه عندما اضطجع في فراشه سيفاً حاداً مصلتاً لا يمسكه إلا شعرة، وطلب منه أن ينام ليلته تحته، اضطجع في فراشه، وبصره لا يحيد عن النظر إلى السيف، الذي يحركه الهواء يمنة ويسرة، والرجل من الرعب لم يغمض له جفن، خوفاً من أن تنقطع الشعرة، فينغرز السيف في صدره، فلما طلع النور في الصباح، جاءه صديقه، وسأله كيف كانت ليلته؟ قال: شر ليلة، لم أنم وهذا السيف مصلت فوقي وعلى صدري، فقال له صديقه: الحكم وهمّه أضعاف أضعاف ما شعرت به.
فز هذا الطامع في الحكم وعدل عنه، وفضل النوم هادئاً لا يصرفه عنه شيء، مهما كان براقاً «ص 89-91».
وهو أيضاً يحب الألغاز لأنه يراها رياضة فكرية، لما يصاحبها من تفكير وإجهاد في معرفة ما يبين تحت ظاهر الألغاز بطريقة خادعة للإنسان عن الحل بعضها يأتي مؤكداً وهو ليس كذلك مثل الذي سأل آخر عن بدء سورة النازعات، هل نزعاً أو أو النازعات غرقاً، أو نزع دون أن يفكر المجيب رد بقوله: والنازعات نزعاً فيقول السائل خطأ، وقد يتراهنان ثم يقول السائل: والنازعات غرقاً، وليس نزعاً، وعلى هذا يأتي السائل بسؤاله: ماهي البلدة التي لا يطحن فيها الدقيق، ولا يموت الميت، وبعد الحيرة وانسداد السبل: لأن ذاكرة المسؤول لا يتذكر أنه مر به بلد لا يطحن فيها الدقيق ولا يموت الميت ويفاجأ بالحل: أن الطحين مطحون فلا يطحن في أي بلد والميت ميت فكيف يموت «89-84».
ومع هذا نراه في كل شهر يهتم ببعض القصص وبالكلمات العامية مثل اهتمامه بالألغاز ويرصدها في كتبه عن كل شهر لأنه فيما يبدو يرى هذا من التراث الشعبي الذي يجب إعطاؤه درجة من الأهمية ثم دخل في شهر ربيع الأول الذي ابتدأه بانعقاد اللجنة العامة لجلستها في جدة «ص 95».
وفي مذكرات شهر جمادى الأولى عام 1412هـ، وفيه قرأ من الكتب كتاب بهجة المجالس، وأنس المجالس وشجن الذهن والهاجس، لابن عبدربه قال عنه: بأنه كتاب قيم يدل عليه اسمه جمع فيه فؤاد جلى جاءت بصور قصص وآراء وتعليق وشرح، وليست هذه المرة التي أقرؤه فيها، فهي الثالثة واقتبست منه بعض ما لم أمر عليه دون أن أسجله، وهذه صفة الكتب التي تؤلف بهذا الهدف من النفع والتسلية والإبداع.
والكتاب الثاني: مسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، لجمال الدين بن نباتة: الرسالة فيها رائحة أدب الأندلس، وتنصب على حوادث حب وأدب أحسن ابن زيدون سبكها، ودارت حول ولادة بنت المستكفي، وحول مقامها في مجتمعها مع الحكام والأدباء، وما كان بينها وبين ابن زيدون من تقارب وتباعد، وقد جاء ابن نباتة، بما عرف منه من أدب وعلم وفهم، وشرح هذه القصيدة، وكشف عن غامضها وأضفى عليها من علمه ما جعلها ترجح على الأصل المشروح «194-195».
وهكذا لو سرنا مع الدكتور في كتبه التي تحكي ما اتحف القراء بطريقته في الرصد وحسن الانتقاء ليجعل القارئ مقصوداً له التمتع، وقد زكّى مذكراته هذه أمام القراء، واضطر أن أترك البقية للقرار ليأخذ كل بما يلائمه من هذه العينات، حيث أجهد المؤلف نفسه لإراحة القراء وتقديم ما يتلاءم مع ذوقه لاختلاف الأنظار لأن مشارب الناس مختلفة أما الفهارس والصور فقد أورد الكثير مما يريح القراء.
وإلى كتاب آخر مع كتبه الأخرى المعتادة كمن يتنقل في حديقة غناء.
mshuwaier@hotmail.com