لا أدّعي أو أزعم أنني كنت لصيقاً بالأمير بدر بن عبدالعزيز - رحمه الله- أو أنني كنت على مسافة قريبة من معرفته، لكني سمعت عن سجاياه وخصاله من بعض ما توارد على ألسنة الآخرين عنه، وما رواه عن الفقيد من كان من الناس على معرفة قريبة منه، في ظل غياب وسائل الإعلام عن تتبع نشاطاته، ولا أقول بسبب تمنع الفقيد عن التعاون معها فيما كان ينبغي أن يكون ضمن حرصها على ما ينبغي نشره.
***
غير أن وفاته تستدعي منَّا أن نؤبّنه ونترحَّم عليه وندعو له بالرحمة بما يستحق، وأن نتذكَّر جيداً أنه حين كان في كامل عافيته فقد كان يمثِّل شخصية مبهرة من حيث ديناميكية الحركة والتفاعل مع كل صوت وطني مخلص أو فكر خلاَّق أو مقترح يضيف شيئاً جميلاً للوطن، وأن الأمير بدر - مع تواضعه وتسامحه - فقد كان صارماً وحازماً وغير متردد مع كل خطأ أو تصرف يسيء إلى الوجه الجميل للوطن، ولعلنا نتذكَّر موقفه القوي في التعامل مع تلك الفئة التي أرادت في إحدى سنوات مهرجان الجنادرية أن تتصرَّف على نحو يخل بالتنظيم ويؤجّج الفوضى ويلحق بالمهرجان من الأضرار والسمعة الإعلامية السيئة ما هو في غنى عنها.
***
وما دمنا قد أشرنا إلى واحد من مواقفه المتميزة في مهرجان الجنادرية فلا يمكن أن ننسى دوره الرائد في تأسيس هذا المهرجان، حيث كان يتلقى توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حين كان رئيساً للحرس الوطني ويتولى تنفيذها، فيما كان يتبنى من جانبه الكثير والمهم من المقترحات لتطوير المهرجان وتجديد فعالياته لتجد لاحقاً التأييد والمساندة لها من خادم الحرمين الشريفين الذي وضع ثقته فيه نائباً لرئيس الحرس الوطني ونائباً مسؤولاً عن المهرجان على مدى سنوات طويلة، فتعلَّم من عبدالله بن عبدالعزيز ما ساعده على القيام بما أوكل إليه من مسؤوليات بنجاح مشهود.
***
وأهم ما يميّز هذا الأمير ثقافته وحكمته وبعد نظره وعلاقته بالمثقفين والإعلاميين العرب، ولعل رسالته المؤثِّرة إلى خادم الحرمين الشريفين بطلب إعفائه من عمله نائباً للحرس الوطني ببلاغتها وأسلوبها وفكرتها تعطي لنا مؤشراً على هذا المنحى الجميل والرائد في تعامله مع الوظيفة، إذ جاء شكره للمليك إثر موافقته على طلبه بخطابه البليغ والمؤثِّر درساً يصلح للاستفادة منه وتعليمه للآخرين في كيفية تخلي المسؤول عن الوظيفة قبل أن تتخلَّى عنه.
***
كثير من الكلام يمكن أن يُقال عن بدر بن عبدالعزيز الذي واريناه الثرى أمس، لكن أبلغه أن يكون الوداع بحجم مكانة هذا الرجل الذي كان على خلق وتواضع وتسامح وجدية في خدمته لوطنه التي بدأها في وزارة المواصلات ثم بالحرس الوطني إلى أن أقعده المرض فحال بينه وبين مواصلة المشوار في السنوات الأخيرة من عمره، فرحمه الله وغفر له وجزاه الجزاء الحسن لقاء ما عمله وأنجزه لصالح وطنه ومواطنيه.