يروق لي التأمل كثيرًا في السفر، فبعض المؤثرات التي يعيشها الإنسان في طاحونة الأحداث اليومية، وروتين الحياة والعمل، التي تُنغص على الذهن، وتشوّش على صورته، تبتعد تمامًا أثناء السفر خصوصًا إذا كانت الوجهة إلى دولة تحث محبي التأمل على ممارسة هذا الهواية.
قد لا يعرف -البعض- مدينة “مونار” الهندية، ومن الممكن أن منكم من سمع عنها أو لم يسمع، فقد كنت أعتقد قبل زيارتها أن العاصمة البريطانية “لندن” وحدها هي مدينة الضباب، لكنني وجدت أن “مونار” هي مدينة عالقة في وسط الضباب، متبخترة بين جبال الشاي، التي يزينها فتيات بأزياء هندية تقليدية يحصدن أوراقه.
في هذه المدينة الجبلية لم أشاهد الطبيعة بل عشت وسطها، راق لي أن أمارس التأمل في تلك البقعة، شعوري بالقرب من السماء في أعلى القمة، الجلوس بين البيوت الخشبية والأكواخ المصنوعة بمهارة يدوية، بلا شك، تُعيد المتأمل إلى الطبيعة الملموسة وليست المستوحاة -ذهنيًا- من الخيال، خصوصًا وأن أول شروط التأمل يوفره هذا المكان قسريًا، وهذا الشرط هو أن تكون ممارسة التأمل في الصباح الباكر، وبما أن هذه المدينة العيش فيها من الطبيعة، فهي تُجبر الإنسان على النوم باكرًا والاستيقاظ مع انشقاق النور من وسط السماء القريبة، وتغريد العصافير بأصوات ألحانٍ لم تلوثها المدن، ولم تُغير قيثارتها أصوات المدنية، كل شيء من الطبيعة حتى الحيوانات والقوارض تُمارس حياتها بكل حرية في الهواء الطلق، وما إن يقع نظرها عليك، إلا وتجد في هذه النظرات احتجاجات مدوية على هذا الغريب الوافد الذي يتربع على أراضيها!
السفر بالنسبة لي هو آلة الحياة، وهو رحلة لاستكشاف ملامح لا يراها أحد غيري، حتى هدير الماء من أعلى الجبال يستقبلك وأنت في طريقك إلى مونار، حرضني شخصيًا على تذوق هذا الماء الذي تعبر من جنبه وتراه منسدلا كخيوط حرير لامعة من وسط جبال الشاي، إلى هذا اليوم لم أذق في حياتي ماءً عذبًا سلسا كذاك الذي غرفته بيدي وشربته، إنه بلا شك يستحق وصف الماء الزُّلال، والذي لو اكتشفناه لهجرنا مياه (إيفيان) الفرنسية، حتى مع مذاقها الذي يمنح شعورًا بالحيوية وبتذوق طعم مختلف للماء، هذا عدا تأثيراتها الإيجابية على البشرة، مع ذلك، فلو كان من “مونار” أن تصنع ماءً، لنافست بشراسة!
في تلك المدينة لن يُعكر صفو الاسترخاء البحث عن التسوق، أو مقاهي الصخب، أو أصوات المدن، فكل ما يحفها هو الهدوء الناعم، وليس الهدوء المزعج “المخيف” شعور بالأمان الداخلي قبل الخارجي منحتني إياه تلك المدينة الجبلية، وما حولها من منتجعات لا أعتقد قد أخذت حقها من الشهرة، إذ إن منتجعات ولاية (كيرلا) بشكل عام والتي مونار هي إحدى مدنها، فيها ما يساعد على الراحة -تحديدًا- تلك الأندية الصحية التي توفر أنواع المساج، وأهمها المساج الهندي للرأس.
هذه التجربة، أردت أن أنقلها لمحبي السفر والاكتشاف، والباحثين عن سياحة غير تقليدية كتلك التي مللناها ولم تعد تضيف لنا جديدًا!
www.salmogren.net