في إحدى المدارس الخاصة نال معظم الطلاب مؤخراً الدرجات الكاملة في أعمال السنة، إن لم يكن جميعهم، والأخير هو الخبر الأكثر تأكيداً، تم التسوية بينهم في التفوق والامتياز، لأنهم بدأوا بالتمرد وإحداث البلبلة حين فكرت المدرسة قليلاً في ضبط أمورهم، من خلال إيقاف حصص التقوية التي هي (كما تبدو شكلياً) تعني تكثيف الجرعات التعليمية للطلاب، وإكسابهم مزيداً من المعرفة، لكنها في حقيقتها ليست إلا فساداً من نوع آخر حيث يتم من خلالها بيع أسئلة الامتحان للطلاب، ليؤدي الطالب الامتحان فقط في هذا الجزء من المادة، إحدى نتائج هذه الفوضى المتفشية أن المستوى الحقيقي لطلاب الثانوية -على سبيل المثال- أصبح لا يتجاوز المرحلة المتوسطة أو الإعدادية من حيث القدرة على فهم العلوم والقدرة الكتابية والرغبة القرائية، وربما يكون في هذا التصور أيضاً كثيراً من التفاؤل..
أقول ذلك وأنا أنقل خبراً أكيداً ولا أريد ذكر اسم المدرسة الأهلية هنا لسببين هامين؛ أولهما: أنني لا أهدف هنا للتشهير بمدرسة أو بشخص ما بعينه.. والسبب الثاني: هو أن ذلك الوضع وضع عام تعاني منه معظم المدارس الأهلية ولعل الحكومية ليست بأفضل حالاً، الخلاصة أيها القوم أن التربية والتعليم في بلادنا يأتينا من قبلهما صوت أجراس مدوية تنذر بكثير من التردي والانحدار الفكري والاجتماعي إن لم نتدارك الأمر عاجلاً، المشكلة ليست فقط في طبيعة الأبناء سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين، فأولئك نتاج تربية آبائهم ومن ثم فساد مدارسهم وعجزها عن تطويرهم أو إكسابهم القيم التعليمية والتربوية إن لم تكن هي ذاتها سبباً في تكريس القيم المهلهلة المعاكسة، فلا فرق بين المجتهد وما عداه، وليس ثمة حافز لديهم للتعلم والتفكير أو إبداء رأي ما ولا شأن لهم بالوطن ولا بتنميته، وعليه فمن باب أولى ألا يعلموا شيئاً عما يحدث في العالم، وإذا علمنا بأن هؤلاء النشء هم رجال ونساء المستقبل الذين يشكلون الأجيال القادمة من المجتمع، فهذا ينذر بأننا يوماً سنقول على المجتمع السلام!
ما هو الحل إذن وكيف يمكننا إنقاذ الأجيال من هذا التردي والانحدار نحو الهاوية؟!
في اعتقادي أن التركيز أولاً لابد أن يكون المدرّسون والمدرّسات ومديرو المدارس في تدريبهم وتثقيفهم تربوياً وفكرياً لإدراك ماذا يعني “تربية وتعليم” وكيف يمكنهم التعامل مع الطلبة؟! هذه الدورات ينبغي أن تكون مكثفة ومستمرة طوال العام الدراسي..
يقول نيلسون مانديلا: “التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم” هل تعتقدون بأن لدينا طالباً واحداً هو خريج لمثل مدارسنا المذكورة أعلاه يمكن أن يحمل شيئاً من هذه الروح؟!
لسوء الحظ! فيما يبدو بيننا وبين هذه الروح مثلما بين قبة السماء وأدنى نقطة على وجه الأرض.