قد نحتاج بداية أن نعرف ما هو الانفصام، كما نحتاج أن نعرف أيضاً ما هي الوطنية التي أعنيها، فالانفصام هو أحد الأمراض النفسية العصبية التي قد يؤدي تفاقمها إلى نتائج خطيرة تصل إلى حد إقدام المريض على الانتحار،
والمريض المصاب بانفصام الشخصية هو شخص لا يتحمل ضغط الواقع ولا يستطيع مواجهة الحقائق بل يقوم بنسج عالم خاص به من الخيال يخترعه لنفسه ويعيش فيه منطوياً ولا يخرج عنه فيصبح عاجزاً عن التمييز بين الواقع والخيال.
ومن علامات الانفصام الذي يصيب البعض هو الاعتقاد الخاطئ بوجود أمور غير موجودة فعلاً، كما إن من علاماته اضطراب الحركة والانطواء وعدم التمكن من التأقلم مع الواقع والشعور بالقلق والظهور أحياناً أمام المجتمع برأيين متناقضين فتارة يؤيد موضوع ما وتارة يعارض الموضوع نفسه ولا يستقر على رأي بل هو متذبذب وحيران.
أما الوطنية فهي مصطلح اختلف على تعريفه الباحثون باختلاف مناهجهم الفكرية، فمنهم من جعل الوطنية جزءاً من العقيدة يوالي ويعادي عليها، ومنهم من عرفها بأنها تلك العاطفة التي تعبر عن ولاء الإنسان لبلده، أو أنها التعبير عن واجب الإنسان نحو وطنه، ومنهم من يرى أن الوطنية هي قيام الفرد بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام بحيث يكون هناك موازنة بين ما يمليه عليك الدين وحقوق وواجبات الوطن والتي من المفترض أن لا تتعارض بل تلتقي من أجل الصالح العام، وهناك آخرون ينحصر تعريف الوطنية بالنسبة لهم في مصالحهم أو في تاريخهم أو موقعهم الجغرافي، فتعريف الوطنية يختلف من شخص لآخر.
في الأسبوع الماضي أصدرت مجموعة من الشخصيات في شرق الوطن رفضها لما أسمته “الاتهامات المسيئة” لوزارة الداخلية والتي أكدت ارتباط 16 شخصاً معتقلاً بالاستخبارات الإيرانية، وجاء هذا الرفض في بيان تشير فيه تلك المجموعة بأن المعتقلين هم من المواطنين الخيرين الذين لهم كفاءة علمية ومكانة اجتماعية محترمة، كما طالبوا بالإسراع بإطلاق سراح المحتجزين ونددوا بإقحام الورقة الطائفية في تصفية الخلافات السياسية الخارجية أو إشغال الرأي العام عن المطالبات الإصلاحية والحقوقية الداخلية.
وكما ذكرت في مقالي بالأسبوع الماضي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن من حق المتهم أن يطالب بحقوقه للدفاع، وأن يقدم كل ما لديه من أدلة وإثباتات تنقض تلك الاتهامات، ولكن في الوقت نفسه لا يحق للبعض أن يستبق الأحداث ويطالب بإطلاق سراح المتهمين قبل ثبوت براءتهم، فالقضية لا ترتبط بأشخاص أو بدوافع طائفية أو تصفية حسابات كما ذكر في البيان، بل القضية ترتبط بحماية أوطان وتجسس وعمالة، ولا يمكن أن يتم التعامل معها بهذه البساطة.
إن الموقف الذي يتخذه أصحاب البيان في مساندة المتهمين والمطالبة بإطلاق سراحهم لم يتخذ منهم من قبل عندما تم القبض على مجموعة في قضايا مشابهة تمس أمن الوطن أو تنال من ثرواته الطبيعية أو تسعى لإرهاب المجتمع، بل إن بعضهم كان يشجع الدولة ويشد من أزرها لقيامها بتلك الخطوات في القبض على المتهمين للحفاظ على أمن الوطن وضمان استقراره، ولم يعتبروا ذلك الموقف من الدولة بأنه تصفية حسابات أو إشغال للرأي العام.
البعض مصاب بانفصام في الوطنية فتجده يتخذ مواقف متعددة أمام قضية واحدة معتقداً بأن لكل موقف ما يبرره من أسباب، ولكني أعتقد أن الوطنية أكبر من مثل هذه المواقف المتقلبة، وهي ليست شعارات أو احتفالات فقط، بل الوطنية هي شعور بالانتماء للأرض والمجتمع الذي تعيش فيه وبذل كل ما هو غال ونفيس للدفاع عن أراضيه وتقديم كل ما هو مفيد للدين والوطن. الوطنية هي حماية الوطن من الفساد والمفسدين ونشر الوعي بين أفراد المجتمع وتربية الأبناء ليكونوا صالحين ومفيدين لدينهم ولوطنهم، الوطنية هي في الإحسان في العمل والحفاظ على ثروات الوطن وعدم إهدار الماء والكهرباء، الوطنية في زيادة الإنتاجية وتطوير خيرات الوطن والمحافظة على مقدراته.