|
الجزيرة - محمد السنيد:
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بدأت في الرياض أمس أعمال الدورة الثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وحضور أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية في الدول العربية، ووفود أمنية رفيعة، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية واتحاد المغرب العربي وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والاتحاد الرياضي العربي للشرطة.
وقد بدأ الاجتماع الذي أقيم في فندق الريتزكارلتون بمدينة الرياض بتلاوة آيات من القرآن الكريم.. ثم ألقيت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- راعي الحفل، ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يسعدني أن أرحب بكم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية راجياً من المولى العلي القدير أن يكلل أعمال الدورة الثلاثين لمجلسكم الموقر بالتوفيق والنجاح لما فيه خدمة شعوبنا العربية وأمنها واستقرارها.
أيها الإخوة: كثيرة وخطيرة هي التحديات التي تواجه أمتنا العربية.. وتهدد أمنها ومسيرتها التنموية، والحضارية، والإنسانية.. ولكننا واثقون بالله ثم بوعي شعوبنا، وإخلاص القائمين على أمن أوطاننا.. من أننا سوف نحافظ على أمننا العربي.. الأمن الذي يقوم على أساس متين من التعاطف بين أبناء الشعب الواحد، وشعورهم بالانتماء الوجداني والانساني لأمتهم العربية، وتعاونهم مع أجهزة الأمن التي تعمل بكفاءة عالية من أجل سلامتهم.. وتصديهم لمن يزرع الشكوك في أذهانهم تجاه مقومات أوطانهم ومرتكزات وحدتهم وتضامنهم.
أيها الإخوة: إن مواجهة التحديات المحيطة بأمننا العربي تتطلب منا تشخيصاً دقيقاً لهذه التحديات وصولاً إلى صياغة رؤية أمنية عربية شاملة في أفق مواجهة تتسم بالحكمة السياسية، والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية والقدرة على درء المخاطر، وإقرار النظام، وتقوية التماسك الاجتماعي، وتعزيز مسيرة التنمية، ودعم قدرات أجهزة الأمن وتظافر الجهود، وتطوير التنسيق الأمني المشترك، وتفعيل دور مؤسساتنا الدينية، والاجتماعية، والتعليمية، والتوجيهية.. وإدراك أجهزتنا الإعلامية العربية لخطورة بث روح الفرقة والانقسام في صفوفنا.. وأن الفتنة جريمة أشد من جريمة القتل.. وبأن لهذه الوسائل دور مهم في توحدنا في ظل ما يجمع بيننا من قيم خالدة، وتاريخ مشترك ومصير واحد.
أيها الإخوة: إن المملكة العربية السعودية من منطلق ثوابتها الإسلامية والعربية تعمل جاهدة من أجل تعزيز مسيرة التعاون والتنسيق الأمني العربي المشترك في كافة المجالات.. وتبنت في سبيل تحقيق ذلك العديد من المبادرات الأمنية، وأقرت عدداً من الاتفاقيات والاستراتيجيات بهذا الشأن.. وأسهمت في تبادل المعلومات والخبرات الأمنية المتاحة.. وساندت كل جهد عربي، أو إقليمي، أو دولي يهدف إلى مكافحة الجريمة بأشكالها المتعددة وفي مقدمتها جريمة الإرهاب -آفة هذا العصر- وتحملت بكل عزيمة واقتدار مسؤوليتها في هذا الخصوص ودعمت كل ما يسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
أيها الإخوة: إننا نشكر ونقدر لمجلسكم جهوده المخلصة في خدمة أمننا العربي والذي كان لرئيسه الفخري أخي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- إسهاماته الموفقة فيما تحقق لهذا المجلس من إنجازات أمنية متميزة داعين الله العلي القدير أن يجزل له الأجر والمثوبة فيما قدمه خدمة لدينه ووطنه وأمته.
وختاماً أكرر ترحيبي بكم أيها الإخوة، راجياً من الله العلي القدير لاجتماعكم التوفيق والسداد في أعماله وبلوغ أهدافه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم شاهد أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب، والحضور عرضاً مرئياً اشتمل على مقتطفات من كلمات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب -رحمه الله- ثم ألقى معالي الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان كلمة قال فيها: يشرفني وهذا المجلس المبارك يلتئم في الرياض، باستضافة كريمة من المملكة العربية السعودية أن أرفع لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- أصدق مشاعر المودة والتقدير والاحترام، معرباً عن اعتزازنا البالغ بالدور البناء الذي يقوم به لنصرة القضايا العربية العادلة وبمبادراته الرائدة لمواجهة الإجرام والإرهاب وتعزيز التلاقي والحوار بين أتباع المذاهب والحضارات والأديان، وبالإنجازات الكبيرة التي تحققت في المملكة في كافة المجالات والميادين بفضل قيادته الحكيمة وسياسته الرشيدة، مقدراً كل التقدير تكرمه بوضع هذه الدورة تحت رعايته السامية.
وتوجه الدكتور كومان بخالص الشكر والتقدير إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع على العناية الكريمة التي يوليها للعمل العربي المشترك في كل المجالات، والشكر والامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية على الرعاية الكريمة التي يوليها لجهازي المجلس الفني والعلمي وتوجيهاته السديدة، والحفاوة البالغة والعناية الفائقة وما سخرته لنا الوزارة الموقرة من إمكانيات كبيرة. وأضاف قائلاً: لا يفوتني كذلك أن أتوجه بأصدق معاني التقدير والعرفان إلى أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب على دعمهم الكبير لأمانتهم العامة وللعمل الأمني العربي المشترك. وقال: إن انعقاد المجلس اليوم في المملكة العربية السعودية يمثل عودة إلى المهد، إلى الأرض التي احتضنت هذا الصرح وشملته برعايتها وظلت تتعهده حتى أصبح مثلاً للعمل العربي المشترك، وإن الفضل في تاريخ هذا المجلس وإنجازاته البناءة يعود إلى رجل فذّ كرسّ حياته لأمن الوطن والمواطن وسخّر بصيرته وحنكته لتعزيز التعاون الأمني العربي واستثمر محبة الناس وتقديرهم له في تذليل العقبات ووجهات النظر العربية في هذا المجال الحيوي، ذلكم هو المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته-.
وأضاف معالي الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب قائلاً: لا حاجة إلى التذكير بأن نشأة المجلس والمصادقة على نظامه تمتا خلال مؤتمرين انعقدا برئاسة سموه -رحمه الله- في أوائل الثمانينات من القرن الماضي في الطائف، ثم في الرياض، ولا حاجة إلى التنويه بالدعم الذي ما فتئ منذ ذلك التاريخ يغدقه على الأمانه العامة للمجلس ولا بالرعاية الكريمة التي ظل يحيط بها التكوين والتدريب الشرطي العربي من خلال دعمه اللا محدود للجهاز العلمي للمجلس.. ولا حاجة إلى الإشارة إلى مواقفه الحكيمة وتداخلاته الرشيدة التي أنقذت اجتماعات عدة من أن تعصف بها رياح الخلاف، فكل تلك مآثر معروفه تلهج بها الألسن وأعمال جليلة نرجو الله أن يدونها في ميزان حسناته وأن يجزيه بها خير جزاء.
وقال الدكتور كومان: فقدنا برحيل سموه أباً براً عطوفاً، ورائداً يكتنه سبل التطوير والإبداع، وقائداً ملهماً يفجر في الناس طاقات العمل والعطاء.. لكن عزاءنا أن روح الوفاق والإخاء التي بثها في اجتماعات المجلس ستظل وقاده تبعث على الحوار والاتفاق وتنبذ الفرقة والشقاق، وعزاؤنا فيكم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز في حرصكم على اتباع سننه القويم في قناعتنا بأنكم ستكونون خير خلف لخير سلف.. وأضاف الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب: إنه في ظل تداعيات الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية نفرض بعض الأفكار التي آمن بها سمو الفقيد -صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله- نفسها بإلحاح على صناع القرار الأمني وعلى سائر الجهات المعنية في الدولة والمجتمع. فقد كشفت هذه الأحداث عن أن المواطن هو بالفعل رجل الأمن الأول كما كان يردد سموه الكريم -رحمه الله-، وأن أي تصور للعملية الأمنية خارج نطاق شراكة متينة بين رجل الأمن والمواطن وبين الشرطة والمجتمع لابد أن يؤول إلى الفشل الذريع وأن الوسيلة المثلى لإقامة هذه الشراكة لن تكون بدعوة المواطنين ومنظمات المجتمع المدني للإسهام في الجهد الأمني، وإنما بمد جسور الثقة بين الجانبين، وإزالة ركام من الريبة والتوجس تكدّس في بعض الأذهان لسنوات طوال، عبر احترام حقوق الإنسان وكرامته وتعزيز استخدام الشرطة المجتمعية، وهي مفاهيم استأثرت بالاهتمام في كل النشاطات التي نظمتها الأمانة العامة في العامين الماضيين، وتتأكد أهمية العلاقة مع المواطنين في ظل اختلال ضبط الحدود الذي تعاني منه بعض الدول العربية، ذلك أن تعاون سكان المناطق المحاذية للحدود من شأنه أن يساعد في مواجهة انتشار السلاح وسائر أنشطة عصابات التهريب والهجرة غير الشرعية وبين معالي الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان أن هذه التحولات بينت مدى صدق المقولة التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- من أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، فانتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة، بفعل الانفلات الإعلامي وازدهار وسائل الاتصال الجماهيري، كان له انعكاس كبير على ظاهرة الإرهاب بحيث شهدنا زيادة ملحوظة في الأعمال الإرهابية والاغتيالات السياسية والنزاعات الطائفية. ولن تنفع مع هذا الواقع أية معالجة أمنية ما دام منفذوذه الأعمال يريدون بها على حد زعمهم مرضاة الله والدار الآخرة. وإن مواجهة هذا الفكر لا يمكن أن تكون بالحجب، إذ بات من المستحيل حتى في ظل وجود قوانين تجرم -خطاب التحريض والكراهية- فرض رقابة صارمة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فلابد من خطاب تصحيحي يفند الفكر الضال وينقذ المغرر بهم من درك الغواية إلى بر الأمان. وقال الدكتور كومان: إن مشروع الإستراتيجية العربية للأمن الفكري المعروض على مجلسكم الموقر والمستوحى من التجربة الناجحة التي توفرت لوزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية عبر سنوات من التعامل الفكري مع المغرر بهم ليمثل في نظرنا خطوة كبيرة على صعيد تعزيز التعاون العربي لمواجهة الفكر الضال المنحرف وتطويق آثاره المدمرة. وأضاف قائلاً: يسرني في الختام أن أجدد الشكر الجزيل على ما لقيناه من كرم الضيافة وحسن الوفادة مقدراً لسمو الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان رئيس الدورة التاسعة والعشرين للمجلس ما لقيناه من تعاون وتجاوب، ومتمنياً لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز كل التوفيق في رئاسة الدورة الثلاثين، كما يسرني الترحيب بأصحاب المعالي الوزراء الجدد الذين انضموا إلى المجلس، راجياً لهم كل النجاح في آداء مسؤولياتهم، وواثقاً من أننا سنلقى منهم كل الدعم والمساندة.