إن عمل المرأة؛ في المجال الذي يتناسب مع عفافها وحشمتها وقدرتها على أدائه، هو مطلب مهم في حياتها، وحق مشروع من حقوقها، لا ينكره أحد، ولا يجحده إلا مكابر مصادم لواقع الحياة ومتطلبات العصر، ذلك أن عمل المرأة لا يعني فقط وظيفة تمارسها، ومخصصاً مالياً تحصل عليه آخر كل شهر.
ولكنه يعني لها إثبات وجود، وتحقيق ذات، ومساهمة إنسانية ووطنية، تنهض بها؛ لبناء وطنها، وخدمة مجتمعها.
* مع كل ما تقدم، أود أن أتوقف- ويتوقف معي من شاء- عند تهاوننا في مسائل تتعلق بحياتنا في دُورنا، وفي الطريقة التي نربي بها أبناءنا، وفي سرفنا في الصرف غير المبرر، وفي حساباتنا غير الدقيقة؛ فيما نحصل عليه من مستحقات مالية، وما نصرفه من هذه المستحقات في أوجه كثيرة.
) بدأ عمل المرأة في المجتمع؛ بوظيفة معلمة، ثم ممرضة، على ما أظن. أتحدث عن العمل الحكومي لا العمل على إطلاقه، وإلا.. فإن المرأة كانت تعمل منذ أمد بعيد؛ في المزرعة، وفي الرعي، جنباً إلى جنب مع الرجل. بعد أن دخلت المدارس وتعلمت وتدربت، أصبحت جاهزة للوظيفة الحكومية، لكن قطاعي التعليم والصحة، ليس بمقدورهما استيعاب كل النساء المتعلمات، فكانت هناك ميادين أخر تنتظر شغلها من قبل النساء، أو كان لزاماً على الدولة؛ توفيرها لهذا الحشد الكبير من النساء المتعلمات، الذي بلغ الملايين كما تذكر الإحصاءات الرسمية، فعرفنا كيف اتجهت البوصلة مؤخراً، إلى وظائف في القطاع الخاص، ومنها بيع الملابس النسائية في الأسواق العامة.
* هنا أتوقف عند وظيفة عاملة، أو بائعة، أو (كاشيرة) في سوق عام. كم المبلغ الذي سوف تحصل عليه هذه الموظفة والعاملة؛ مقابل عمل ثماني ساعات يومياً خارج منزلها..؟
* أعتقد أنه لن يتجاوز ألفي ريال، حتى لو حملت كشوفات التجار أضعاف هذا الرقم..! وإذا كانت هذه الموظفة والعاملة تحتاج إلى خادمة وسائق لزوم ما يلزم من عملها اليومي في هذه الوظيفة، فهي مطالبة بمبالغ تفوق مخصصها الشهري، قد تصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف ريال، هذا خلاف مصاريف أخر، لتلبي حاجة الوظيفة، من ملابس وخلافه..!
* الموظفة في قطاع التعليم؛ وهي التي تحصل على أضعاف هذا المخصص، تصرف جُلّ مخصصها للخادمة والسائق والسيارة ومستلزمات العمل، فكيف بهذه التي لا ينالها من شاة المرتبات الشهرية المعهودة سوى أُذنها..؟!
* هذه حسابات مالية بحتة، لكن الذي تخسره الموظفة، وتخسره أسرتها، ويخسره المجتمع؛ أكبر بكثير من حساباتنا المالية، فالأم التي توكل تربية أطفالها لخادمة وهي مجبرة على ذلك، تخسر بكل تأكيد، ويخسر مجتمعها، وملايين السائقين الذين يجوبون الشوارع ويدخلون الدور، يشكلون أكبر خسارة مالية وغير مالية، ولو أردنا قياس مستويات الخسائر التي تحيق بنا من كل جانب في هذا المضمار، لوصلنا إلى ذلك بسهولة، من خلال السلوكيات اليومية التي نعرفها من شبابنا في كل مكان.
* إن وزارة العمل، تهدف بكل تأكيد؛ إلى تقليص عدد العمالة في البلد، وبخاصة العمالة المنزلية والسائقين، ولكنها لم تتنبه إلى أنه كلما خرجت فتاة أو سيدة للعمل في مكان عام أو خاص، فهي تحتاج إلى خادمة منزلية وسائق أجنبي، ومسألة التشديد في إجراءات الاستقدام، ليست في مصلحة أحد البتة. هنا يأتي التناقض الذي لا بد أن يوضع له حد بين وزارة العمل والمجتمع بكافة شرائحه.
* ماذا لو أن وزارة العمل، ووزارة الخدمة المدنية، أو مجلس الشورى.. الجميع تبنى فكرة وظيفة للمرأة في دارها، بشروط تحد من استقدام العاملات المنزليات والساقين، وتفضل المتزوجات على غير المتزوجات، وتوفر حياة كريمة للمرأة وسط أسرتها، سواء كانت متعلمة أو غير متعلمة، وأن يُخصص لها مرتب شهري لا يقل عن ألفي ريال؛ مقابل هذه الوظيفة العظيمة، وخمس مئة ريال؛ مقابل رعاية وتربية كل طفل في الأسرة، حتى سن الثامنة عشر من عمره..؟
* ما رأيكم في هذا الاقتراح يا وزارة العمل، ويا وزارة الخدمة المدنية، ويا مجلس الشورى، ويا أيها المجتمع؛ رجالاً ونساءً..؟
* أعرف أن الكثير من الأسر؛ يفضل رعاية وعناية الزوجة بدارها وأطفالها على وظيفتها وعملها، وحتى الكثير من النساء العاملات في وظائف عامة أو خاصة، هن مكرهات تحت ضغط الحاجة المالية، لمواجهة متطلبات الحياة، ولو توفر لهن ما يكفي حاجتهن، لبقين يمارسن دورهن الطبيعي في الرعاية والخدمة المنزلية المشرفة، واستغنين عن الخادمات والسائقين.. ولكن..؟!
* لا أظن أن دولتنا تبخل على بناتها ونسائها؛ بما يكفل لهن الكرامة والصون والعفة، وتوفير الحياة الكريمة التي تسهم في تربية نشء صالح قادر على استيعاب مستجدات العصر؛ مع الحفاظ على دينه وقيمه ومبادئه وأخلاقه التي تربى عليها آباؤه وأجداده، والخطورة تأتي من هذا الانفصام الخطير الذي نعيشه اليوم بين الآباء والأبناء، وظهور جيل مطبوع بصبغة الخادمات والسائقين، الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الأسرة الواحدة.
) إن هناك فوائد كثيرة وعظيمة نجنيها كمجتمع، من وراء هذه الفكرة لو طُبقت، من بينها: تقليص استقدام الخادمات، والحد من استقدام السائقين، والتشجيع على الزواج والاستقرار الأسري. والفائدة الأعظم والأكبر، هي التربية الدينية والوطنية الصالحة، التي نتمناها لأطفالنا، الذين هم جيل المستقبل وعماده.
* لماذا لا نوجد هذه الوظيفة على غرار حافز مثلاً.. (وظيفة مديرة منزل)، لمن ترغب من نسائنا؛ متعلمة أو غير متعلمة، مقابل دار بلا خادمة ولا سائق..؟
* فكروا في هذا الأمر يا أيها الناس.. يا أيها الآباء، ويا أيها الأمهات.. يا أيها المسئولون في صناعة القرار في دولتنا الفتية.
الأم مدرسة إذا (أكرمتها)
(أعددت) شعباً طيب (الأخلاق).
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com