كان لتعليم البنات جهاز مستقل يدير أعماله التربوية والتعليمية، له شخصية اعتبارية ربت عن الأربعين عام، وقد حقق هذا الجهاز خلال تلك الفترة الكثير من الإنجازات والنجاحات، ولا ريب أنها تجربة خاصة وفريدة في الإدارة التربوية وفي مسيرة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية، لكن وكأي عمل بشري لا تخلو ممارسات الجهاز من عثرات وإخفاقات، لهذا جاءت الرغبة في الدمج مع وزارة التربية والتعليم لمسوغات عديدة تربوية وتعليمية وإدارية ومالية، فتوحيد الرؤى والتوجهات والسياسات والممارسات والإجراءات في جهاز التربية والتعليم في البلد الواحد يعد من الضرورات الوطنية التي توجب الإسراع بدمج الجهازين معاً، لتوافقهما في الرسالة والأهداف والغايات.

مضى على قرار الدمج أكثر من عشر سنوات، وفي العرف الإداري والزمني تعد هذه المدة كافية لحصول التغيير والتطوير، تغيير يمكن إدراك نتائجه، والتعرف على آثاره بكل يسر وسهولة، خذ مثالاً لأي كائن وقارن حالته بين بدء تكوينه وبين حالته بعد مضي عشر سنوات على التكوين، حتما سوف تلمس جملة من الفوارق كلها تدل وتوحي على النمو والتطور، والتقدم في سلم التغير والتبدل.

لكن خذ حالة الأجهزة الإدارية والتعليمية والتربوية التابعة لجهاز تعليم البنات سابقاً، وقارن بين حالها عندما كانت لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة وبين حالها اليوم بعد أكثر من عشرة أعوام من الدمج في مؤسسة مماثلة سابقة في الكثير من النجاحات الإدارية والتعليمية والتربوية، وهي مدة زمنية كافية لإحداث الكثير من التغيير والتطوير وتحقيق الغاية التي من أجلها تم الدمج، وسوف تلحظ دون عناء حقيقة واضحة مفادها، أن الحال مازالت كما كانت عليه قبل الدمج، ومعلوم أن أكثر من 95% ممن يعمل في جهاز تعليم البنات هن سيدات، ويبدو أن الهواجس غير السارة في العقل الباطن عن الشقيقة الكبرى أيام الانفصال مازالت متحكمة، تعوق أي جهد للمواءمة والتكييف والتقريب، وتبادل الخبرات وتوحيد السياسات والإجراءات، فمازال تعليم البنات في الإدارة وفي الفكر التربوي وفي الممارسات التعليمية والإجراءات كما حاله السابقة، ولم يتواءم ويتكيف مع تعليم البنين، ولم يستفد من خبراته الناضجة في الإدارة والتربية، وفي أدبيات الفكر التربوي وممارساته وإجراءاته، هل هي مسألة عناد وإثبات للذات؟، أم خوف وخشية من الجديد؟، أم عدم قدرة على السيطرة على الموقف، أم أنه لم يكن هناك رؤية وإرادة وتوجه جاد لقيادة التغيير من قبل الذين تولوا قيادة الجهاز بعد دمجه، حيث اكتفى من تولى هذا الأمر بتسيير عجلة العمل اليومي وفق معطياته السابقة وآلياته وإجراءاته وسياساته، وكما هو معلوم في أدبيات الإدارة يعد هذا النهج من أكثر أساليب الإدارة شيوعاً وسلبية، وهو عنوان لبقاء الحال على ما هي عليه، بل هو مدخل رئيس لتكريس الفشل، فالكل يقدر على تسيير الأمور كيفما اتفق، أو وفق ما يرد من ميادين العمل اليومي، فالاكتفاء بالتوقيع، وتذييل الخطابات بـ “نوافق” و”حسب رأيكم” و”حسب التعليمات” و”وفق النظام” وغيرها كثير من عبارات التسيير السلبية التي تكرس الممارسات وتبقيها على علاتها، كل يستطيع القيام به، وهذا النهج الإداري هو الذي أبقى عقلية جهاز تعليم البنات يجتر ممارساته ومفاهيمه السابقة، ويصر على آليات عمله وأساليبه، على الرغم من مضي أكثر من عقد من الزمن، حيث كانت الطموحات في بدايات الدمج عالية لإحداث التطوير والتغيير وتوحيد السياسات والممارسات بين جهازين يعدان من أهم الأجهزة الحكومية وأكثرها أهمية وقيمة في صناعة الإنسان وتأهيله، وتمكينه من تملك مهارات العلم وتطبيقاته العملة، وجعله قادراً على صناعة المعرفة وتنميتها بدل الاكتفاء باجترارها، والترديد الببغاوي للمعارف المنتجة شرقاً وغرباً.

إن الشواهد على أن جهاز تعليم البنات مازال على عاداته القديمة في جل شئونه الإدارية والتربوية والتعليمية كثيرة، وليس مهما ذكر أمثلة عليها، فهذا أمر يخص من أوكل إليه مهمة تطوير هذا الجهاز والنهوض به حتى يتجاوز المعوقات التي حالت دون مواكبة التجديد والتطوير، فإن كان المعني يعلم بها فهذه مصيبة، وإن كان لا يعلم -ولا أظن ذلك- فالمصيبة أعظم، ولكون الحالة حرجة، فإن المصلحة تقتضي فتح فصول لمعالجة الأسباب التي أعاقت تطوير تعليم البنات ليواكب الحركة التربوية والإدارية في تعليم البنين.