كان ذلك الرجل الذي أكل منه العمر وشرب عاجزاً عن حرث أرضه، فآلمه أن لا يجد ولده الذي ادّخره لهذا الوقت موجوداً يعينه ويساعده، وأرسل إليه يخبره بحاجته له، وأنه عاجز عن حرث الأرض ليزرعها، فأرسل إليه ولده الأسير لدى العدو الإسرائيلي، لا يا أبي لا تحرث الأرض، فأنا أخبئ فيها وثائق سرية وخطيرة، وما إن قرأ جيش الاحتلال «الإسرائيلي» هذا، حتى هبّوا ونبشوا الأرض فلم يجدوا بها شيئاً، فأرسل الابن لأبيه ها قد ساعدتك، وأيّ خدمة أخرى لا تتأخر في مراسلتي.
أتذكّر وأنا أكتب هذا حادثة طريفة «لحرث الأرض» ولكن بشكل مختلف، وقعت لي وأنا بالصف الرابع الابتدائي وبأحد أيام الطائف الباردة والممطرة، فقد راودتني نفسي بترك الحصة واللعب في المطر، فسحبت إحدى الصديقات معي على غرّة، وقد علمت بأنّ الحصة القادمة لمدرِّسة تحبني وتعاملني كابنتها.
تباً كيف نساوم حتى على الحب! فلعبت وتلك المسكينة حتى شارفت الحصة على الانتهاء وعدت من فوري مسرعة، وكانت مدرِّستي تنتظرني بحنق لم أر يوماً بعينها الواسعة كلّ ذلك الضيق منها، فاستوقفتني عند الباب وأدخلت زميلتي، كأني بها قد قلبت الأمور وعرفتها، فكثر ذلك في نفسي كيف لا وأنا المقرّبة المدلّلة، وبعد انتهاء ما تبقّى من الدّرس خرجت إليّ وأمسكت بضفيرتي تديرها بين أصابعها وأنا كمن جمد الدم في عروقه فقالت: مرة ثانيه أبخليك تحرثين الساحة بالمطر .. ما أجمل المطر .. في أمان الله.