لدي رغبة ملحة تجاه الأخ قينان الغامدي، رئيس التحرير المتميز (سابقاً)، لتوديعه بكلمة شكر وتقدير على صفحات الجزيرة، ولا أظن أن صديقنا نحن الاثنين الأخ أبو بشار سوف يتردد في نشرها لعدة أسباب، أهمها: علاقة المودة التي تربطه بزميله المتكرر المتنقل بين الصحف قينان الغامدي. هذا الرجل يقدم وجهاً مشرقاً للكاتب الصحفي ورئيس التحرير أينما يحل، وربما لهذا السبب ما يلبث أن يرحل.
استلم قينان صحيفة الشرق كمشروع نحيل العظم قليل اللحم، وما هي إلا شهور قلائل فإذا بها تنافس بجدارة، وتتقدم أحياناًً على الآخرين في اغتنام مكامن الحريات المتاحة.
في هذا الوطن الغالي لدينا في مجال رؤساء التحرير ظاهرتان، ظاهرة التعمير والتخضرم، وظاهرة الرحيل المبكر. لا توجد عندنا ظاهرة الوسطية في أعمار رؤساء التحرير، بمعنى البقاء لفترة زمنية معقولة، لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة، كما أن آليات القدوم والرحيل تبقى دائماً مجهولة للقارئ، (وهو العنصر المهم في العمل الصحفي) فيمتلئ الفراغ بالشائعات والأقاويل.
تربط رؤساء التحرير عندنا ببعضهم علاقات «عداقة»، لا عداوة ولا صداقة، والقواسم المشتركة بينهم هي أن لكل واحد منهم (عينين حولاوين). معنى ذلك أن محور كل عين لا يتقاطع مع محور الأخرى على نفس النقطة البصرية. هذا الوضع يجعل لكل رئيس تحرير نقطتي نظر، عين تنظر نحو الحكومة والأخرى نحو القارئ. بهذه الوضعية في تقنية الإبصار لا يتكون لأي من رؤسائنا التحريريين نقطة تركيز واحدة، لأن عينيه تعملان باستمرار بانحراف بصري تبادلي، وباختصار رؤساء التحرير عندنا يعانون جميعاً من الحول التحريري.
في طب العيون يوجد عدة أنواع من الحول، الوحشي والإنسي والعمودي والأفقي والشديد والخفيف. الحول في رؤساء تحرير الصحف السعودية أكثره من النوع الوحشي الأفقي الشديد. بين الفينة والفينة، وغالباًً ما تكون فينات متباعدات، يرزق الله إحدى صحفنا رئيس تحرير لديه حول مختلف، من النوع الإنسي العمودي الخفيف.
الفرق هو أن الحول الوحشي الأفقي الشديد لا يستطيع التركيز إلا أفقياًً، أي في مجال رؤيته المحددة، وغالباًً ما ينحرف بصره نحو الاتجاه الحكومي والرسمي. هذا النوع من الحول مريح لصاحبه نسبياًً، لأن درجة التذبذب بين المسؤول الحكومي وبين القارئ تكون أقل، وعادة لصالح الحكومي وليس القارئ. مثل هذا النوع من رؤساء التحرير تكون دموعه أقل انهماراً وصداعه أخف ودقات قلبه أهدأ.
كان الحول في رئيس تحرير جريدة الشرق المتميز (سابقاً) من النوع الآخر، النوع الإنسي العمودي الخفيف، بحيث يكون التركيز نحو صاحب المكان الأعلى والأقرب للعين حسب الاهتمامات والأهداف الصحفية، وهو القارئ.
لك الوداع مع كلمة شكر يا قينان، وأعان الله جاسر الجاسر على التركيز، على الأقل بنفس القدر من الحول الإنسي الذي كنت عليه.