لقد سبق أن أشرت إلى دهاء قادة النظام الإيراني وتصميمهم على الوقوف مع النظام السوري؛ سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا. وأشرت، أيضاً، إلى أن ذلك الوقوف لم يكن مبعثه الاتِّفاق بين النظامين؛ أيديولوجيًّا، فحسب؛ بل إن النظام الإيراني يرى أن الإطاحة بالنظام السوري معناه ذهاب النفوذ الإيراني
في العراق. وهذا من المرجح - إن حدث - سيؤدِّي إلى هَبَّة شعبية داخل إيران ضد النظام هناك.
لقد برهن النظام الإيراني، الذي يَتَّصف قادته بالدهاء، على أنه قادر على الصمود في موقفه تجاه أكبر دولة في العالم بحيث قبلت التفاوض معه دون شروط. ومما برهن عليه هذا النظام قدرته على إرغام الدول الإسلامية في مؤتمرها الأخير بالقاهرة بأن تُحذَف من بيانها أيُّ إدانة للنظام السوري. لقد وقف النظام الإيراني ضد إرادة تلك الدول هذا إن كانت لديها إرادة - باستثناء لبنان - ولهذا البلد ظروفه الخاصة التي يعرفها الجميع، والتي تضطره إلى عدم اتِّخاذ موقف واضح، وباستثناء العراق، التي أصبحت من عام 2003م تابعة واقعيًّا لإيران.
لقد أدركت منذ بداية القرن الحالي أن جامعة الدول العربية غير قادرة على القيام بعمل إيجابي؛ وبخاصة من الناحية السياسية. فهي لم تستطع أن تَحلَّ مشكلة غزو صدام للكويت، ولم تقدر على الحيلولة ضد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق واحتلاله، بل إن الأمين العام الحالي للجامعة العربية اتَّخذ موقفاً سيئاً يخدم النظام الإجرامي في سوريا. أما منظمة المؤتمر الإسلامي - أو التعاون الإسلامي - فقد برهنت على فشلها المتكرِّر منذ إنشائها عام 1969م. وآخر علامة من علامات فشلها ما تَوصَّلت إليه في مؤتمرها الأخير بالقاهرة؛ إذ خضعت لإرادة إيران بعدم الإشارة إلى جرائم النظام السوري البشعة، وطالبت - كما يطالب هذا النظام - بأن يتفاوض الثائرون ضد ذلك النظام معه بدون شروط.
ذلك ما أراه في جامعة الدول العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، أو منظمة التعاون الإسلامي. وقد لا يوافقني على ذلك كثيرون. ولِكلِّ متابع رأيه الخاص. وأرى، أيضاً، أن الجهة التي لها وزن في القضية السورية هي أمريكا؛ إضافة - بطبيعة الحال - إلى إيران. والمشكلة أن أميركا أثبتت - كما هي عادتها بالنسبة لقضايا أُمَّتنا - أنها مخادعة، وأنها لا تقدم على أيِّ خطوة لا يرى الكيان الصهيوني مصلحة له في اتِّخاذها. عندما بدأت الهَبَّة السورية، التي استمرت ستة أشهر سلمية الطابع، قالت أمريكا: إن نظام الأسد فقد شرعيته، وإن عليه أن يرحل. لكن لم يمض شهران من بداية تلك الهَبَّة إلا وقد أعلن ذلك الكيان الصهيوني أن لا فائدة له بزوال حكم الأسد. ولذلك سرعان ما تَغيَّر موقف أمريكا شيئاً فشيئاً حتى منع - بما له من نفوذ - إمداد الثائرين السوريين بالسلاح رغم أن نظام الأسد تتدفق عليه الأسلحة الفَتَّاكة المُتطوِّرة من روسيا ومن إيران؛ مباشرة أو عبر أتباعها في العراق.
على أني قبل اختتام هذه المقالة أجد أنه لا بد - لاكتمال الصورة التخاذلية - من الإشارة إلى بعض من أسندت إليهم مسؤولية كبيرة في صفوف الثائرين السوريين - وفي مُقدَّمتهم الخطيب - فبرهنوا على أنهم ليسوا أهلاً لتلك المسؤولية. ذلك أنه في الوقت، الذي يُحقِّق الثائرون فيه تَقدُّماً واضحاً على الأرض في سوريا، ظهر بتصريحه السيئ، الذي خالف فيه الثائرين الذين كانوا قد اتَّفقوا عليه من عدم التفاوض مع النظام السوري المرتكب لأبشع الجرائم. وفي هذا ما فيه من تحطيم للمعنويات. والسَّفَه المُدلِّس أن يُقال: إن من رموز النظام السوري من لم تُلطَّخ أيديهم بالدماء. ذلك أن من المعلوم أن من ظَلَّ ضمن ذلك النظام فإن أيديهم مُلطِّخة بالدماء. لكن مما يشرح الصدر أن الخطيب وأمثاله ليس لهم أَيُّ رصيد أو منزلة لدى الثائرين الحقيقيين الذين يحرزون انتصارات جيدة على الواقع.
إن الأمل في الله، ثم في الثائرين الحقيقيين، قويٌّ، وإن جميع مساعي المتواطئين والمتخاذلين ستبوء بالفشل بإذن الله.