في تاريخنا الإسلامي صور رائعة ودروس مفيدة ساطعة تبين لنا مكانة الوقف وأثره في دعم التنمية والعمل الخيري، وتحقيق نهضة المجتمع المسلم وتقدمه. ويؤكد لنا التاريخ الإسلامي أن الأوقاف قد شملت جميع مناحي الحياة، وأسهمت في خدمة الإنسان في مختلف مجالات التنمية.
لقد صارت الأوقاف مصدراً تمويلياً للمسلمين عبر القرون المتطاولة، بسبب كثرة الأوقاف، حيث يقول الإمام الشافعي: (بلغني أن أكثر من ثمانين رجلاً من الصحابة من الأنصار وقفوا”، ويقول الرحالة ابن بطوطة: “الأوقاف في دمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها”.
وأمام المتغيرات في المجتمعات الإسلامية تراجعت الأوقاف بشكل كبير عن أداء دورها المبارك، بعدما تحول الموسرون والراغبون في الإنفاق عن فكرة الوقف إلى قنوات أخرى كالصدقات والتبرع المباشر لجهة بعينها.
إننا بحاجة لتغيير بعض الثقافات السلبية المتعمقة في المجتمع، وفي أحسن الأحوال نجد أن كثيراً ممن يعرفون أهمية الوقف ومكانته في الإسلام، يظنون أنه مقصور على مجالات بعينها، ولا يمتد لغير من مجالات الخير التي قد تمثل ضرورة للمجتمع المسلم.
فمع الجهود التي يضطلع بها بعض القائمين على المؤسسات والهيئات الخيرية بإقامة أوقاف، إلا أنها محدودة جداً، وتواجهها عوائق وصعوبات كثيرة، وإذا كنا نتطلع لإحياء سنة الوقف فلابد من نشر هذه الثقافة، وتعميم التعريف به للناس بنفس درجة الاهتمام بتسهيل إجراءات الوقف وإجازته، وتوفير كل ما يلزم لتنميته واستثماره. فتنمية التعريف بأهمية الوقف هي الخطوة الأولى لتنمية الأوقاف، ولا تتحقق تنمية أموال الوقف بحال من الأحوال قبل تنمية التعريف به، فالإنسان عدو ما جهل، وإذا كان الناس لا يعرفون أهمية الأوقاف، ولا يدركون دورها في التنمية فلا تستغرب عدم تفاعلهم مع ما يُطرح من دعايات للاهتمام به، مما يؤكد أهمية وضع برامج ميسرة للتوعية بأهمية الأوقاف، علمية وإعلامية وخطابية ودعوية حاسوبية.
ومن خلال اطلاعي على بعض الجهود ودراساتي وبحثي الأخير عن “ثقافة الوقف في المجتمع السعودي” خرجت بأكثر من ثلاثين توصية، وهي رؤى من منظور اجتماعي شرعي أرى أنه من الأهمية بمكان الأخذ بها وتفعيلها من ذوي الشأن لتحقيق الأهداف المطلوبة لإحياء سنة الوقف.
alomari1420@yahoo.com