زوجي عبدالله بن عبدالرحمن المحيميد اسم حفر في ذاكرة كثير من أبناء محافظة شقراء ورجالاتها واحتل مساحة كبيرة من قلوبهم.
(أبو عبدالرحمن) كنية لها ثقلها ووزنها عند من يعرف الرجال ويثمنهم..
أبو عبدالرحمن كنية تعني الطيب والمرجلة والوفاء والإخلاص والتواضع..
وأود هنا وبمداد من الفخر أن أدون شيئاً من سيرته العطرة - رحمه الله - داخل بيته والتي قد لا يطلع عليها كل أحد عسى أن تكون حافزاً حسناً لمحبيه وكل من افتقده. وأرجو من الله تعالى أن يكون كل حرف كتبته رفعة لدرجاته وزيادة لحسناته.
منذ أن عرفته وهو يحافظ على الصلاة في وقتها وخاصة صلاة الفجر فلا تفوته إلا نادراً وعندما يكون مريضاً مرضاً شديداً وكان يذهب للصلاة قبل الأذان ولو ذهب عند الأذان لاعتبر نفسه متأخراً.
ويحرص دائماً أن يكون على وضوء فكثيراً ما أراه يجدد وضوءه كما أنه يتوضأ قبل نومه.
ويختم القرآن كل شهر مرة وفي رمضان 3 مرات ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر.. كان - رحمه الله - يحب الحج والعمرة ويتمنى لو يحج كل عام وقد حج قرابة الخمس عشرة حجة، أما العمرة فلا أحصي عددها، لا ينسى ورده اليومي من أذكار الصباح والمساء، بل هو يذكرنا بها أكثر الأحيان خاصة إذا كنا في سفر أو خارج البيت.
وبعد تقاعده المبكر اجتهد كثيراً في عبادته فحرص على السنن أكثر من قبل كصلاة الضحى وصلاة الميت والاستسقاء والوتر والصدقة وصلة الرحم والمكوث في المسجد بعد الفجر حتى تشرق الشمس.
تميز - رحمه الله - بصفات عديدة يعرفها كل من يعرف أبو عبدالرحمن ومنها أنه لا يعرف الكذب أبداً وكان يحب الالتزام بالمواعيد ويكره إخلاف الوعد ويتضايق عندما يعده أحد ويخلف وعده.
كان متفائلاً حتى في أصعب الأمور ودائماً نظرته إيجابية وعبارة (بتتسهل الأمور بإذن الله) على لسانه دائماً حتى في لحظات مرضه الأخير وقد عَرَفَ بخطورة المرض وقبل أن يفقد النطق تماماً كان يردد قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
وكان متوكلاً على ربه، راضياً بقضائه وقدره حتى عندما قيل له أن هذا «السرطان» إنما هو عين أصيب بها بعد أن ترأس آخر منصب له في شقراء.. لم يندم على قبوله لهذا العمل أو يلوم نفسه أو يحزن، بل قال: (الحمد لله، أنا مستخير ومستشير).
وطيلة حياتي معه لم أسمع منه كلمة نابية ولم أسمعه يوماً رفع صوته على أحد حتى في أشد حالات الغضب، فقد كان يكظم غيظه وأذكر موقفاً له مرة من المرات عندما كُنا في أحد الفنادق بالرياض فقد خرج لبعض أشغاله فتعطلت به سيارته مما اضطره إلى إصلاحها وحضر إلى الفندق وقد تأخر عن موعد خروجنا من الفندق قرابة الساعتين أو الثلاث ووجد الموظف المسؤول في الاستقبال (مصري الجنسية) يستشيط غضباً وما أن رآه حتى رفع صوته عليه وعاتبه بشدة..
ورغم أن أبو عبدالرحمن نفسه جاء مُتعباً ومتضايقاً من تعطل سيارته ومن تأخره فمن عادته أن يُسلم الغرفة أو الشقة في الوقت المحدد رغم ذلك إلا أنه لم يزد على أن أدخل يده في جيبه وأخرج نقوده وقال: «كم ثمن ثلاث ساعات تأخر؟؟».. فانبهر الموظف من هدوءه وكظم غيظه ورفض أخذ المبلغ وقال كلمة لا زلت أذكرها (أخلاق حضرتك فوق كل حاجة).
ولم يكن يحمل في قلبه حقداً على أحد حتى لمن أساء إليه وأكبر دليل على ذلك أنه في مرضه سامح كل من أساء إليه وأخطأ عليه رحمه الله.
وقد ربطتُ بين قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ربطتُ بينها وبين الرؤيا التي رؤيت فيه بعد موته والتي يقول فيها صاحب الرؤيا: (رأيت عبدالله بن عبدالرحمن مبتسماً يسطع وجهه نوراً ويديه وكان يجلس على كرسي أخضر وعليه ثياب بيضاء وأشبه بالشيخ الشعراوي عندما يكون في دروسه على كرسيه. فقلت له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله بخير، لقد وجدت ما وعدني ربي خيرٌ كثير جنات عرضها السموات والأرض. قلت: كلها لك؟ قال: لي ولوالدي. قلت: كبيرة عليكم. قال: ورضا أكبر ولله الحمد).
وإني لأرجو الله أن يعدل بخلقه درجة الصائم القائم كما جاء في الحديث.ومما اتصف به - رحمه الله رحمة واسعة - أنه إذا تولى شيئاً سارع لإنجازه وبإتقان سواء ما يتعلق بأسرته أو بعمله ويحب التخطيط قبل الإقدام على العمل ويكره التأجيل والتكاسل وعدم إتقان العمل.
وقد كان يقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يربي أهله وأصحابه بالحدث ولعل آخرها عندما داهمه المرض، فقد أخبرني بحقيقة مرضه وكأنه يخبرني بصداع عارض أو وعكة صحية بسيطة وليس مرضاً خطيراً نخاف حتى من ذكر اسمه وعندما لم أتمالك دموعي وبكيت بحرقة قال الآن يظهر الإيمان الحقيقي.. الإيمان فعل وليس قول.. الآن يظهر التطبيق العملي للإيمان. وقال عبارة أسكتتني: (هذا المرض من الله والعافية من الله والحمد لله رب العالمين) وإن أعجب فأعجب من صبره وشدة تحمله وهو على السرير الأبيض والمرض يزداد عليه ومع ذلك لم نسمع منه حتى الأنين الذي نسمعه عادة من المرضى.
تميز بعدله بين زوجاته في المبيت والنفقة والمعاملة حتى خلق جواً من المودة والاحترام المتبادل بيننا وكان أغلب وقته يقضيه معنا في البيت ينصت لنا بلا تذمر ويوجهنا كثيراً ويأخذ بمشورتنا. يحب إشاعة الطرفة والدعابة في بيته ومن لا يعرفه جيداً يظن أنه جاد دائماً. لم يبخل علينا بشيء. كان المال في يده ولم يكن في قلبه. وإن كنت أشاركه في بعض النفقات بحكم أن لي دخل خاص إلا أنه لم يسألني يوماً كم صرفت؟ أو كم أبقيت؟ ولم يسألني عن ريالٍ خرج من حسابي لمن خرج؟ ولا من أعطيت ومن أعطي. فلم يكن المال يعني له شيئاً إلا أن تشتري به رضى ربك ثم راحتك، بل كان يشجعنا على البذل في سبيل الله.
ولأنه كان يؤمن بأننا يوماً ما سنفترق ونغادر هذه الدار الفانية إلى دار باقية، كانت أجمل دعواته لنا (الله يجمعني بكم في الجنة).
وأختم بهذه الدعوة (جمعنا الله بك أبو عبدالرحمن في الجنة ووالدينا والمسلمين أجمعين).
وأخيراً لو أنني أوتيت كل بلاغة
وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر
لما كنت بعد القول إلا مقصراً
ومعترفاً بالعجز عن واجب الشكر
- شقراء