في كل ليلة من ليالي سنة جديدة، تحفل كثير من القنوات بعدد غير قليل من المنجمين، أو المتوقعين لأحداث يرون أنها ستحدث في عامهم القادم، ويشملون بتوقعاتهم دولاً وشخصيات، وظواهر طبيعية، وغيرها. ومن العجب أن ينساق عدد غير قليل من المشاهدين وراء تلك الخرافات التي لا أساس لها من النقل، ولا توافق لها مع العقل، ولكن هكذا تسير الأمور اتساقاً مع جبلة بشرية تتمثل في رغبة الإنسان في معرفة ما ستتميز به الأيام، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً.
الله جل جلاله هو علاّم الغيوب، وهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أما البشر فإنما يستخدمون ما حباهم الله به من العلم لاستخدامه في مناحي حياتهم اليومية، وتوقعاتهم للأحوال الجوية أو أحداث عامة لا تعدو كونها ربط ظواهر فيزيائية وحسابها للحصول على توقع بعينه. أما أن يخرج على شاشة التلفاز رجل أو امرأة، يتوقعون أحداثاً بذاتها، أو أموراً تتعلق بأشخاص دون حقائق علمية، أو ثوابت طبيعية، فإنما يدَّعون كذباً، أو يقولون أموراً عامة تحدث كل سنة، فلا تمر سنة من السنوات دون وقوعها.
لقد استمعت عبر القنوات إلى أحدهم، وإحداهن، فذكرا كلاماً عاماً كأن يقال أنه ستحدث فيضانات في الولايات المتحدة أو الفليبين، ونحن نعلم أنها لم تخل سنة من تلك الظواهر الطبيعية، أو أن يقال أن طائرة مدنية أو عسكرية ستسقط في العام القادم، ونحن نعلم أنه لم يمر عام دون أحداث مؤسفة كتلك، أو أن يقال أن مظاهرات ستحدث هنا أو هناك والجميع يشاهدون في كل عام مظاهرات في بلدان بعينها وغير ذلك كثير.
الأمر الآخر الذي يزعمونه ويتهافت وراءهم الكثير معتقدين أن لديهم من القدرات ما ليس لغيرهم، هو تكرارهم في كل عام لتوقع حدث معين لا سيما للشخصيات، فإذا لم يقع هذا العام، توقعوه في العام القادم، وهكذا فإذا وقع هللوا، وأبرقوا وأرعدوا، ونسي بعضهم أن هذا التوقع لم يقع في سنين مضت.
ومن أعاجيبهم اتفاقهم مع شخصيات عامة على حدث بعينه، فيكون فيشهدون الناس على قدراتهم الخرافية المدهشة، رغم أنها لم تكن سوى خديعة قد زينت وأمر قد قضي بليل، ولكن هيهات، لمن كان في عقله الباطن قد زرع الاعتقاد بهؤلاء، أن ينظر بعين البصير إلى تلك الادعاءات العارية من الصحة.
لو كان هؤلاء يعلمون ما سيحدث من أمور دقيقة، وليست أموراً عامة تحدث كل عام، أو توقعات منطقية تتوافق مع العقل وسنن الحياة، لكان أولى بهم معرفة ما سيؤول إليه أمرهم وذويهم، ولتجاوزوا التوقعات العامة إلى توقعات محددة، وأشخاص بعينهم، حتى وإن فعلوا ذلك وحددوا الأشخاص، فإنهم يتوقعون عنه ما ألفنا سماعه أو حدوثه له كل عام. وهكذا بعد مضي عام يذكرون ما قالوا عنه، ثم يأخذون ما جرت العادة به لديه، فيظهرونها وكأنها الأمر الذي عنوه في توقعاتهم السابقة، فيدخل في ذهن الكثير شيء من الشك، ولو دققوا فيما قال هؤلاء، لاطمأنوا أن قولهم لا يقدم شيئاً، وأنها مقولات يمكن لكل امرئ أن يتوقعها لعموميتها وتكرار حدوثها كل عام.
إن هذه التوقعات الخرافية تتناغم مع بعض الممارسات التي يقوم بها أشخاص منتفعون ليس لهم هم إلاّ جمع المال بغض النظر عن حقيقة فعلهم، ونحن نعلم جميعاً أن عالمنا العربي بل والمسلم، قد ابتلي في السنوات الأخيرة بالاعتقاد الثلاثي العجيب السحر والجن، والعين، وربطوا كل ما يحدث لهم بأحد هذه الثلثي أو واحد منه، وأسرفوا في ذلك، وكأنهم لا يفعلون أخطاء تجلب لهم المآسي، أو أن ليس لهم مشاعر تتأثر بنوائب الدهر، فيضعفون عند كل مصيبة. وكأن عالم الحقيقة والبراهين، والعلم ونتائجه بعيدة عن أذهانهم، ويسهل لديهم ربط كل شيء بأحد هذا الثلاثي العجيب، ولو أنهم أبعدوا وساوسهم، ووثقوا بخالقهم لتغلبوا بعونه ورحمته على ما قد يحدث لهم، فهو القادر والمعطي والمانع. وزاد على هذا الأمر قلة من مفسري الأحلام الذين يتلاعبون بمشاعر الضعفاء، فأصبحنا نعيش في عالم الوهم، وليس عالم الحقيقة، ونربط أمورنا ومستقبلها بتأويلات غيرنا ولا نتركها لبارئنا الذي بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
لقد ذكر المتوقعون توقعات، لكن الأمور ستسير بأمر الله، وبمشيئته، وعلمه، وليس علم سواه من البشر الذين يوهمون الناس بمقدراتهم على معرفة أحداث مستقبلية.
حمانا الله وإياكم من الوهم، ومن الارتباط بغير الله، وأن يكون إيماننا بربنا مانعاً لنا من الارتباط البشر، الذين لا يعلمون من أمور دنياهم إلاّ ما علمهم ربهم، ووفقاً لنواميس الحياة التي أو جدها، وسنها وأمر البشر بالاستفادة منها فيما ينفع الناس.