في الآونة الأخيرة اختلف الخطاب الروسي بشأن الأزمة السورية بشكل ملحوظ، خاصةً بعد التطورات العسكرية الميدانية بين قوات نظام الأسد والجيش الحر وفصائل الثوار، وتتضح جزئية الاختلاف في الخطاب بما حمله من مؤشرات جاءت في حديث الرئيس الروسي بوتين بالمؤتمر الصحافي،
الذي عقده على هامش قمة الاتحاد الأوروبي وروسيا قبل أيام، مؤكداً أن اهتمام بلاده بسوريا يتركز على مستقبلها وليس على نظام الأسد، وبإقامة نظام ديمقراطي، نافياً أن تكون بلاده تسعى لإبقاء الرئيس الأسد بأي ثمن.
هل ما قاله بوتين يحمل إشارات للدول الغربية والعربية معاً للتقارب الفعلي من أجل التفاهم على رحيل الأسد؟ وكيف سيتم دفع فاتورة بيع الأسد؟ كون هذه الفاتورة ستكون باهظة ًقياساً بما ستخسره روسيا بعد سقوط أو نهاية نظام الأسد. ما يجعلني - وربما غيري يتفق معي - القول إن نهاية الأسد باتت وشيكة بإذن الله، خصوصاً في ظل التطورات السياسية باعتراف العالم بائتلاف الثورة والمعارضة ممثلاً شرعياً للسوريين، أو الانتصارات العسكرية المتتالية التي يحققها الجيش الحر حتى صار يتحرك في محيط دمشق وبقرب القصر الرئاسي، لدرجة أن جيش نظام الأسد وشبيحته بدأوا في استخدام الصواريخ لارتكاب المجازر بحق المدنيين الأبرياء، بعد أن أصبح الطيران في مرمى نيران الجيش الحر، في سبيل إعاقة الثوار وخلخلة توازنهم، وإشغالهم بهذه المجازر لإجبارهم على الانسحاب من مواقعهم، غير أن السؤال المهم: ما هي تداعيات سقوط الأسد؟ بتقديري أن مكانة سوريا كدولة محورية في المنطقة العربية وربما الشرق الأوسط يجعل التداعيات بشقيها الإيجابي والسلبي مفتوحة على كل جانب، كالجانب العربي، والغربي، والإيراني، والتركي، والإسرائيلي، فضلاً عن الداخل السوري.
ولأن حصر هذه التداعيات والاستفاضة بها يبدو صعباً في الحيز المحدود لهذا المقال، فإني سأقتصر على ما يخص الجانب الإيراني وتحديداً (المشروع الصفوي)، لأنه الجانب الأخطر والمهم في اللعبة الإقليمية، كون نظام الأسد يُعد المحور الرئيس لتمرير أجندة هذا المشروع على مستوى المنطقة العربية، ما يفسر استمامة النظام الإيراني في بقاء الأسد بدعم قوي وغير محدود من روسيا بحكم علاقاتها غير الخافية مع الجمهورية الإيرانية وبالذات في ما يتعلق بأنشطتها النووية، حيث تعتبر روسيا لاعباً رئيساً في بناء هذه الأنشطة.
وعليه تشكل سوريا أو نظام الأسد الحلقة الرئيسة في سلسلة المشروع الإيراني على المستوى الجغرافي والصعيد السياسي إلى جانب حلقة العراق بحكومة المالكي الطائفية، وحلقة لبنان بحزب الله، الذي يعمل وفق أجندة إيرانية على حساب المصالح اللبنانية.
ويمكن إدراك إلى أي مدى تكمن أهمية نظام الأسد لدى الإيرانيين وخطورة تداعيات سقوطه على مشروعهم الصفوي، في موقف القادة الإيرانيين الغاضب من حركة (حماس) عقب وقوفها إلى جانب الشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد، رغم أن هذه الحركة كانت حليفة لنظام طهران وتحت رعاية نظام الأسد إلى أن أطلق خالد مشعل تصريحه الشهير: (وقف النظام السوري معنا في الحق ولكن نقف معه في الباطل)، الأمر الذي دفع الإيرانيين إلى اتهامه بالصهيونية والعمالة للأميركان، ما يعكس بداية تأثر الموقف الإيراني من الأزمة السورية، كونه خسر ورقة مهمة طالما لعب بها في المنطقة العربية وهي ورقة المقاومة الفلسطينية.
أما السيناريو الأخطر في سقوط الأسد فيكمن في تضعضع المشروع الإيراني ونهاية حلم الهلال الصفوي، الذي يبدأ من طهران مروراً ببغداد ودمشق وبيروت وغزة حتى ينتهي بالقاهرة. وبذلك يطوق هذا المشروع منطقة الخليج العربي تماماًً، وهذا لا شك سيدفع بالطموحات الإيرانية تجاه مملكة البحرين بشكل أكبر، كما يكرس الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية.
ولكن بسقوط نظام الأسد العبثي - بإذنه تعالى - يكون تصدع المشروع الصفوي من منتصفه، ومن أهم منطقة فيه وأشد حلقات سلسلته وهي الحلقة السورية، فالحلقة اللبنانية المتمثلة بـ(حزب الله) ستتحول فيها موازين القوى لصالح خصوم حزب الله، كونه سيخسر القناة المفتوحة التي تمده بالسلاح والمال الإيرانيين، ناهيك عن الدعم البشري والإعلامي، وهذا يُفسر حالة الارتباك المتزايدة، التي يعيشها الحزب مع التطورات الميدانية لصالح الثوار السوريين، من واقع خطابات أمينه حسن نصر الله، وبذلك يكون هذا الحزب القوي أمام خيارين، إما الصدام المسلح مع بقية الطوائف اللبنانية، أو التحول من حركة مقاومة مسلحة إلى حزب سياسي، وهو في كلتا الحالتين خاسر بإذن الله، ومن ورائه الإيرانيين الذين سيخسرون الورقة الأهم وهي ورقة المقاومة اللبنانية.
بالنسبة للحلقة العراقية وخاصةً حكومة المالكي الطائفية، فلن تكون بأحسن حال من وضع (حزب الله)، فسقوط الأسد سيدفع الشعب العراقي وبالذات أهل السنة والأكراد إلى مواجهة حكومة المالكي بشكل حاسم نظراً لتغير الواقع السياسي المرتقب في سوريا، حيث ستشكل الثورة السورية عمقا استراتيجياً للعراقيين السنة، ولعل مؤشرات تلك المواجهة قد بدأت في اعتصامات ومظاهرات الأنبار، وانتقالها إلى الموصل باتجاه الشمال الكردي. وهنا تكمن الفرصة الذهبية لدى الأنظمة العربية في تصحيح الوضع العراقي بما يُسهم في رفع اليد الإيراني عنه تماماً، بل ويدفع بالمشروع الصفوي إلى الانكفاء نحو الداخل الإيراني، وُيضعف أذرعه في المنطقة العربية بشكل كبير، خصوصاً إزاء مملكة البحرين ودولة اليمن، خصوصاً في ظل ثقل المملكة العربية السعودية، مع الدور التركي والعودة المصرية.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan