قالت سمر المقرن: «في التاريخ القديم، اشتهر النقاب في عصر الدولة العثمانية أيام السلاطين والحريم، وبحسب المراجع فإنّ «النقاب» ظهر لدى البابليين والأشوريين في العراق وبلاد الشام،...».
الجواب: لا دليل لديك وأين مراجعك المزعومة أم هو المشاغبة وذرّ الرّماد في عيون الناس المساكين، قال ابن حجر: فتح الباري ج9/ص324: «وقد قالت عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور لما نزلت وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها».
«وقال ولم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب» وقال في عون المعبود ج11/ص109: «اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق قاله بن رسلان»، وقال في مرقاة المفاتيح ج2/ص138
حُكي الإجماع على أنّ ليس للنساء أن يخرجن سافرات الوجوه. وقال الشوكاني: نيل الأوطار ج6/ص245 اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ على مَنْعِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ لا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُسَّاقِ، وقال الغزالي: «لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات» وقال الجاوي: في نهاية الزين ج1/ص47 «إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات».
ولكنك تريدين أن تفتعلي أزمة خيالية من الحجاب في تلك البلاد، ومما يؤكد هذا أنك لا تجدين مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنّفات الأئمة، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم، بل لا تكاد تجد - فيما أعلم - مصنّفًا خاصًا بهذه المسألة؛ ولو على شكل رسالة صغيرة؛ حتى جاءتنا الكاتبة سمرن المقرن، مما يدل دلالة واضحة أنّ هذه القضية من الوضوح بمكان، وأنّ عمل المسلمين كما هو قائم، يتوارثه الخلف عن السّلف، وهذا التواتر العملي يدلنا أيضًا على طبيعة تلقّي العلماء لمثل هذه المسائل، وأنهم يرشدون أمتهم لما فيه العفّة والطُّهر والاستقامة على أرشد الأمور، وأفضل السبل.
قالت سمر: «ولم يكن آنذاك يحمل معاني إيجابية تجاه المرأة - كما هو في زمننا الحاضر - بل أتى آنذاك مع نظرة دونية تجاه المرأة التي تُعتبر لديهم فاقدة الأهلية ومجرد متاع، وتجاوز الأمر في تلك العصور، إلى إجبار المرأة على ارتداء حزام العفة».
الجواب: الحجاب قديم من أيام إبراهيم عليه السلام كما في العهد القديم في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن رفقة أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق .. إلى أن قالت فأخذت البرقع وتغطت. وفي الإصحاح الثامن والثلاثين أنّ ثامار مضت.. وتغطّت ببرقع وتلفّفت. وفي غيرها نقول المرأة ولمن أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك. وفي إصحاح الثالث من سفر أشعيا أنّ الله سيعاقب نساء صهيون لأنهنّ خلعن البراقع.. وحتى بولس يقول إنّ النقاب شرف للمرأة. وقصة الأعشى مع امرأة النعمان لما سقط نصيفها ونقابها فاتقتهم بيد ورفعت بيد أخرى النقاب.
وعرفت البراقع بالوصاوص عندهم كما قال الشاعر: وثقبن الوصاوص بالعيون. وقال رؤبة وكنت إذا زرت ليلى تبرقعت. وكان كشف الوجه للنساء في المصائب فقط كما قال أحدهم: تجد النساء حواسر يندبنه.. يلطمن أوجههن بالأسحار. قد كن يخبئن الوجوه تستراً.. فاليوم حين برزن للنظار. بل كان كشف المرأة وجهها عاراً تعير به العرب، قال سبرة الفقعسي الغامدي:
ونسوتكم في الروع باد وجوهها
يخلن إماء والإماء حرائر
وقامت حرب الفجّار بين قريش وهوازن لأجل تعرُّض شباب لامرأة عادية راودوها على كشف وجهها فنادت يا آل عامر فلبّتها سيوف بني عامر. وقال الأعرابي: جزى الله البراقع من ثياب.. وكان بعض نساء الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار.
وقصة اليهودي الذي راود المسلمة عن كشف الوجه فأبت، فربط طرف ثوبها برأسها فانكشفت، فقامت الحرب مع اليهود. قالت الكاتبة سمر: «الذي يحمل زوجها مفتاحه ...».
الجواب: إن كنت تقصدين أنهم جعلوا حزاماً للعفة تلبسه المرأة شكا فيها فنقول هذا غلط ولا يسمح به الشرع والشرع بنى العلاقة بين الرجل والمرأة على العفة وإحسان الظن، وأنّ الغيرة تكون عند الريبة، ولكن إن كنت تقصدين أنّ الزوج وحده هو صاحب الحق الوحيد في المرأة وأنه لا يسمح لها بالخروج نهائياً، فما أدري ماذا تقصدين.
قالت سمر: «حتى إن أرادت أن تقضي حاجتها!».
ما أشد هذا الاستخفاف بالعقول والقرّاء أن يتحكّم الزوج في قضاء حاجة امرأته وعليك أن تثبتيه تاريخياً، وهذا أقرب ما يكون للهذيان.
قالت: «وقد أتى الإسلام العظيم ليمحو تلك النظرة الدونية للمرأة بنوره، فكرم ديننا المرأة،..»
فكان من تكريم المرأة أن حجبها عن الناس فالحجاب وتغطية الوجه من القرآن والسنّة، ولكنك تدلسين حتى يقال عنك أنك تعظمين الإسلام وتفهمين الإسلام، ثم عندما تهدمين النقاب أو الحجاب وغطاء الوجه، يفهم الناس والبسطاء أنّ غطاء الوجه ليس من الدين فعجباً من ذلك، فالإسلام الذي تعظمينه هو الذي أمر بغطاء الوجه، وأجمع أهله على مرّ العصور عليه وعلى مشروعيته وأنه ليس ببدعة كما نقلنا في أول المقال، فأين تعظيم الإسلام بقولك الذي يجب أن يحرق النقاب. فتخالفين كبراء أهلك وبلدك واختيار عادات أقوامك.
قالت الكاتبة: «فكان أول من آمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -، وفي هذا رسالة عظيمة من ربِّ العالمين لكلِّ من ينتقص المرأة، أو يحاول التقليل من شأنها».
أقول: وهي أيضاً رسالة لكلِّ من يهين المرأة ويكشفها لغير مستحقها، فالإسلام أمر بالسّتر وتغطية الوجه، كما قال « {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}. قال الزمخشري المعتزلي في الكشاف ج3/ص570
أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع.. وعن ابن سيرين سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها، وعن السديّ تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشقّ الآخر إلاّ العين، وعن الكسائي يتقنّعن بملاحفهنّ منضمة عليهنّ أراد بالانضمام معنى الإدناء. وقال النسفي الأشعري يدنين يعني: يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال للمرأة إذا زال الثوب عن وجهها أدني ثوبك على وجهك ومن للتبعيض، يعني ترخي بعض ثوبها على وجهها.. فالآية خاطبت الزوجات والبنات وسائر نساء المؤمنين. فتغطية الوجه بذلك واجب لكلِّ امرأة، كما قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فضرب الخمر وهي أغطية الرأس على الجيوب، لابد أن تشمل الوجه كيف يكون أيتها العبقرية المثقفة منقذة بنات جنسها من التخلُّف ومن الأحدية الزوجية، وقالت عائشة التي حكت عن نساء المؤمنين من الأنصار لا نساء التغريب والحرية والثقافة كما في صحيح البخاري ج4/ص1782 عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت يَرْحَمُ الله نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها. ثم ما ورد في سنن أبي داود ج4/ص62 عن ثَابِتٍ عن أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قد وَهَبَهُ لها قال وَعَلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها ثَوْبٌ إذا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لم يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا وإذا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لم يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فلما رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى قال إنه ليس عَلَيْكِ بَأْسٌ إنما هو أَبُوكِ وَغُلَامُكِ. وبالطبع عند سمر أنّ هذا خاص بفاطمة وليس عندك دليل بل قال تعالى ونساء المؤمنين وهذا كان معروفاً متواتراً عن الجميع.
وقد كانت المرأة المسلمة في كل الأقطار الإسلامية لا تعرف كشف الوجه، وكانت متمسّكة بالحجاب الحقيقي وبستر وجهها عن الرجال الأجانب.
قالت سمر: «أسوق هذه المقدمة بعد أن وصلني رأي لفضيلة عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المطلق، حول مقولات تردّدت لرأي لي في مسألة النقاب على وجه التحديد، وأخذت ردود أفعال واسعة خلال الأيام الماضية وساق لها الشيخ المطلق استنكارًا مع أنّ الموضوع قديم جدًا، وتوقّعت أن أجد رداً من فضيلة الشيخ المطلق، يُفنّد فيه آرائي، علماً بأنني قلت وجهة نظر ولست ممن يملك الحق في الفتوى، لكن الشيخ المطلق يملك حق الفتوى، لذا تمنّيت أن أقرأ على لسانه فتوى مكتملة الأركان في وجوب النقاب! وأود هنا التوضيح لمن يرى بوجوب النقاب، أنه لم يرد له أيّ ذكر في جميع الآيات القرآنية التي تناولت النساء وحجابهن».
الجواب: طبعاًَ أنت تقولين النقاب ولا تتعرّضين لغطاء الوجه فهل يعني أنّ النقاب فقط هو ما تعترضين عليه ولا تعترضين على غطاء الوجه وهو الحجاب، أم تقصدين غطاء الوجه كاملاً؟!
فالنقاب من جملة أغطية الوجه والإسلام يعرف النقاب والعرب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين، والنقاب معروف عند العرب قال الشنفرى الجاهلي:
لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعها
إذا ما مشت ولا بذاتِ تَلَفُّتِ
والآيات ذكرت أغطية الوجه لكن سمر المقرن تريد نصاً يقول انتقبي وغطّي وجهك هذا من الشرع! وإن كنت تقصدين غطاء الوجه وحجبه فكذب، فالقرآن والسنّة فيهما الأدلة الكثرة.
بل الحجاب في اللغة لم يسم حجاباً إلاّ لحجبه الوجه ويمنع المشاهدة قال تعالى حتى توارت بالحجاب، فالحجاب ما حجب لا ما أظهر الوجه، والسفور في اللغة الكشف يقال سفرت المرأة وجهها إذا كشفت النقاب عن وجهها كما قاله أبو منصور في لسان العرب. وأسوق بعض الأدلة خلاف الآيتين السابقتين وتفسير الإدناء والضرب بالخمر على الجيوب:
1- لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين وهو في البخاري مع حديث المرأة عورة. قال الشيخ التويجري جميع أجزاء المرأة عورة.. وقال أحمد ظفر المرأة عورة. وهو قول مالك. قال ابن العربي المالكي: وذلك أنّ سترها وجهها بالبرقع فرض إلاّ في الحج.
2- حديث أم سلمة قال رسول الله من جر ثوبه خيلاء.. فقالت فكيف يصنع النساء قال يرخين شبراً قالت إذا تنكشف أقدامهن قال يرخين ذراعاً. فالقدم عورة يجب أن تغطى كما قال البيهقي مع الإسبال. وكيف يأمر بستر القدم ولا يأمر بستر الوجه؟.
3- عن أم سلمة قالت قال رسول الله إن كانت لإحداكن مكاتب وقد أدى بعض ما عليه فلتحتجب منه. وقال لعائشة لما احتجبت من عمها من الرضاعة لا تحتجبي منه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. قال ابن حجر فيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب. واقرئي قصة نبهان مولى أم سلمة مع أم سلمة لما كان بقي من مكاتبته ألفا درهم وكانت عنده، فأبت أن يراها بعد ذلك وكان يبكي وقالت إنّ رسول الله قال اضربوا دونه الحجاب. يعني إذا قضى ما عليه. وحديث عائشة في الإفك وقالت فيه فخمرت وجهي عنه بجلبابي وفي رواية فسترت. وعائشة احتجبت من الحسين فقال ابن عباس إنّ رؤيته لها حل. وكانت نساء النبي منتقبات كما في رواية الطبقات الكبرى، قالت أم سنان الأسلمية لما نزلنا المدينة رأيت أربعاً من نساء النبي منتقبات.
4- قالت عائشة لما نزلت «وليضربن بخمرهن على جيوبهن».. خرجت نساء الأنصار فاعتجرن بها وصلّين خلف رسول الله كأنّ على رؤوسهن الغربان. فغربان نساء المؤمنين أم قمرات الفتنة والسفور.
5- عن عائشة أنّ الركبان إذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من فوق رأسها على وجهها. ولعلك تقولين هذا خاص بنساء النبي، فأقول لماذا لا تتشبه النساء المسلمات بنساء النبي، وقالت فاطمة بنت المنذر كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر.