دأبَ كثيرٌ من الحركيين الإسلامويين، وأصحاب الأجندات الخاصة، على تمرير مقولة (فك الله أسره) عندما يتم إيقاف أحد من أعضاء خلية من خلاياهم الحركية من قبل الدولة.. والسؤال: هل الموقوف في قضية أمنية - مثلاً - في العرف الشرعي أو القانوني يُعتبر (أسيراً)؟.. وإذا كانت الإجابة: (بلا)، فما الذي يقصده هؤلاء المدلسون من دس هذه التسمية والترويج لها؛ ولماذا يتعمّدون أن يطلقوها على المسجونين والموقوفين منهم بدلاً من (موقوف) أو (سجين)؟
جاء في لسان العرب لابن منظور أنَّ (الأسير) هو: (الأخيذ وأصله من ذلك.. قال مجاهد: الأسير المسجون، والجمع أسراء وأُسارى وأَسارى وأسرى).
أما الأسير في الاصطلاح الفقهي فهو من وقع في يد أحد المتحاربين نتيجة للحرب. يقول (الماوردي) في الأحكام السلطانية: (هم المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء). غير أن الفقهاء اعتبروا أن أسرى المسلمين عند الكفار هم كذلك أسرى؛ كما يطلقونه أيضاً على كل من دخل إلى أرض المسلمين متسللاً بغير أمان من الحربيين (راجع فتاوى ابن تيمية 355-28). وقد تعاملت كل أمهات كتب الفقه مع الأسير على أنه (قصراً) أسير الحرب؛ فأصبح هذا اللفظ خاصاً بهؤلاء دون غيرهم.
أما في القانون الدولي فقد أبرمت اتفاقية عالمية تُسمى (اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى) مؤرخة في 12 آب - أغسطس 1949 وبدأ نفاذها فعلياً في 21 تشرين الأول-أكتوبر 1950م؛ وقد بيّنت المادة (الرابعة) منها من هو الأسير حصراً.
غير أن الحركيين دائماً وأبداً وحيثما وجدوا لا علاقة لهم بالفقه ولا القانون ولا المنطق، بل ولا بالأمانة أيضاً؛ فهم أصحاب أغراض وغايات، فتجدهم يُسقطون المصطلحات الفقهية والقانونية على أشخاص بعينهم، بما يخدم أهدافهم السياسية التي هي في الغالب لا تخلو من (خبث) ورغبة مُبيتة في الإساءة. لذلك يصفون الموقوف في قضية أمنية، أو المسجون بحكم صادر من قاض شرعي، (بالأسير)؛ طالما أنه من أصحابهم، أو من المنتمين إلى حركتهم، أو هو -في الأقل- على خلاف مع الحكومة.
وهذا تدليس وغش وليٌ لأعناق الحقائق؛ فهم يجعلون من الدولة (عدو) حربي لهم وصاحبهم (أسير) عندها؛ ويعلنون ذلك على رؤوس الأشهاد دون أي قدر من حياء.. والسؤال: لماذا يسكت كبار مشايخنا مع أنهم يدركون ذلك تمام الإدراك، ويعرفون أن مثل هذا الوصف (الكيدي) لموقوفين في قضايا أمنية -مثلاً- فيه تحريض على الحكومة، ومساس بعدالتها، وشحن للدهماء ضدها؟
السبب أن الحركيين الإسلامويين ذوو ألسنة حداد، وكذب وافتراء وتلفيق وتزوير؛ ويستطيعون -في رأي بعضهم- أن يُحرقوا من يشاؤون؛ لذلك نجد أن بعض العلماء -وبالذات ضعفاء الشخصية- يخشونهم، ويُجاملونهم، ويَتحاشون الرد عليهم، و(يلتزمون الصمت) عن مثل هذه التجاوزات رغم خطورتها؛ ورغم شناعتها، ورغم مقاصدها الخبيثة وأهدافها المغرضة؛ خوفاً من ألسنتهم وتصنيفاتهم.
وختاماً أقول: إن خوف كثير من علمائنا، وسكوتهم، وخشيتهم من ألسنة هؤلاء الحركيين، هو سبب رئيس لتفشي (الحركية الإسلاموية) بمختلف أطيافها في مجتمعاتنا، وانخداع الناس بها؛ رغم أن بعض الحركيين هم أقرب إلى المنافقين -إذا لم يكونوا منافقين بالفعل- يمتطون الشريعة، ويُزايدون عليها، لا عن تقوى وورع، وإنما لتحقيق أهداف إمّا حركية سياسية، تدعم حركتهم، وتُمكن لها، وبالتالي لزعاماتهم؛ أو أنها لأهداف محض شخصية؛ أي أن دعوتهم في المحصلة النهائية ليست لوجه الله تعالى، وإنما لمصالح شخصية أو حزبية بحتة. وطالما أننا نتهرب من مواجهتهم، وفضحهم، وكشف تدليسهم، فإن ألف ابن لادن سيخرج ويجد من يتبعه.
إلى اللقاء