تكمن في اللغات المختلفة دلالات على التكوينات البنيوية الأولى لطرق التفكير المختلفة. آدم، اسم مذكر مركب من الآه والدم، آدم. حواء اسم مؤنث، مركب من الاحتواء والحياة، حواء. هكذا كانت تسميات البدايات الأولى المفرغة من التميز النوعي لأحد النصفين. الرجل للقتل والصيد والدماء، والأنثى للاحتواء والحياة، وسبحان الذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى.
الموت مذكر والحياة مؤنث، المرض والعافية كذلك، الشهادة والصلاة والزكاة أيسر أركان العبادة وأولاها في الترتيب، تحمل أسماء التأنيث. الصوم والحج أكثر أركان العبادات مشقة وأواخرها في الترتيب، تحمل أسماء التذكير. تلك كانت تسميات البدايات الأولى، تسميات البداية والنهاية، الحياة والموت.
ثم جاء التصرف اللاحق، التصرف البشري بما يحصل بين الحياة والموت، فأخضعت التسميات للصراع والمغالبة على الأولويات والمغانم والميزات بين الذكر والأنثى.
الريح والعاصفة والصاعقة والداهية والبلوى، إلى آخر المصائب الدنيوية أصبحت كلها أو أكثرها تحمل أو حملت قسراً أسماء التأنيث. النسيم والمطر والغيث والسيل والخير أعطيت أسماء التذكير. البرق طالما هو بشارة خير يكون مذكرا فإذا تحول إلى نذير الخطر يتم تحويله إلى صاعقة وهي أنثى.
هذا في اللغة العربية التي يتم فيها تمييز الجنس بإلحاق التاء للتأنيث، ويستمتع التذكير بكل ما عدا ذلك من نهايات محتملة. ماذا عن اللغات الأخرى، هل ثمة لغة غير العربية تحمل دلالات فيلولوجية ابتدائية على طرق التفكير ثم تم تحميلها على المفردات؟.
اللغة الإنجليزية لا تحمل مثل هذه الدلالات، والأمر متروك للخصوصيات البيولوجية للتمييز بينما هو مذكر أو مؤنث. الرجل رجل والمرأة امرأة، لكن الشجرة والبحر والجبل والموت والحياة والحب والكراهية، كلها تعرف بنفس أداة التعريف (The)، ولا يعرف إن كانت مذكراًً أو مؤنثاًً لأن ذلك عندهم لا يهم. كلمة Tree, Sea, Mountain عندهم لا ذكور ولا إناث هي هكذا وكفى. الدلالات البنوية للمفردة في الإنجليزية تحددها الخصائص البيولوجية، وما عدا ذلك فعلى حد سواء.
في اللغة الألمانية هناك ثلاث أدوات للتعريف الجنسي، واحدة للمذكر وواحدة للمؤنث وثالثة للمحايد. لكن الإسقاطات اللغوية الدالة على طريقة التفكير تختلف عن مثيلاتها في العربية. عندهم يحمل كل كائن بشري أو حيواني له خصائص الذكورة والأنوثة أداة تعريف التذكير أو التأنيث، الرجل، المرأة، الأسد، اللبؤة، القط، القطة، إلى آخره. لكن الطفل، ذكراً كان أو أنثى يحمل أداة تعريف المحايد حتى تتضح الخصائص البيولوجية عنده. الكائنات غير الحيوانية، النبات والجماد والمجردات الوصفية مثل الحياة والموت والحب والكراهية، تحمل تنوعا مدهشا عند الألمان في تحميلها بأدوات التعريف قد تدل على طرائق تفكير ابتدائية في التسميات. الموت عندهم مذكر والحياة محايدة التعريف، والشجرة مذكر لكن الثمرة مؤنث، السحابة أنثى، لكن الرعد والبرق والصاعقة والمطر تحمل كلها التعريف الذكوري. ما هي الدلالات المحتملة لهذه الاختلافات البنيوية الابتدائية في اللغات العربية والإنجليزية والألمانية؟.
الدلالات قد تحمل إشارات على عدم التحيز الجنسي، أو بعبارة أخرى، قد تحمل دلالات على إدراك ضرورة التكامل المعيشي البيولوجي، والتزام الحياد في ما عدا ذلك حتى تتضح الأمور. في هذه الحالة إن صحت، تكون البدايات التكوينية للغة الإنجليزية أكثر حيادية وموضوعية من الألمانية، والألمانية أكثر عقلانية وأقل تحيزاً من العربية، ولله في خلقه شؤون.
أعود لبداية الموضوع، عنوان المقال الذي هو: هل البركان القادم أنثى. مفردة بركان في استعمالها اللغوي العربي تحمل صفة التذكير. الوضع منذ البدايات حتى اليوم منطقي، لأن المواصفات الانفجارية كانت دائما وأبدا من لوازم الذكورة. لكن علينا أن نتذكر ولا ننسى، أن البراكين تثور من بطون الأرض، والأرض مؤنثة على كل خطوط الطول والعرض. حين تتعرض الأرض للضغط الزائد تلد للناس البراكين، والمحتمل أن البراكين القادمة سوف تنتمي لفصائل الإناث. علينا أن نبدأ في تخفيف الضغط تدريجيا، حتى لا يتحول البركان إلى بركانة، نسأل الله السلامة.
- الرياض