نتحدث دائما عن توطين الوظائف واستقرارها وتوزيعها الجغرافي العادل, وعن الإحلال السعودي في مهن ووظائف معينة من أجل توطين الوظيفة... لكن قبل استقرار الوظيفة هناك توطين أهم هو توطين المواطنة بعد المد الإعلامي والمحطات الفضائية والأجهزة الذكية والانفتاح الإعلامي مع الربيع العربي الذي كسر الرقابة السلبية والإيجابية وأعطى المواطن مساحة كبيرة للتعبير وصناعة إعلامه.
توطين المواطنة والانتماء وتعزيز الولاء قد لا نستطيع (إيجادها) عبر مقررات الوطنية أو مناهج التاريخ والبرامج الإعلامية إذا لم تكن هناك أجندة وبرامج ومشاريع اقتصادية تعزز هذا الجانب بدلا من الشعارات وأغاني الاحتفالات... حتى نعمل على توطين المواطنة وتأصيلها لابد من برامج إسكان وتحسين المعيشة والحد من البطالة، وهي أساسيات عملت عليها معظم الدول المستقرة، وجميع الدول التي تنعم بالاستقرار اعتبرت الإسكان والأمن الوظيفي واجبها الأهم لأنها تجلب الأمن والاستقرار.
في بداية تكوين دولتنا طرح الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- فكرة إنشاء دولة حديثة وموحدة تنصهر داخلها الأقاليم والمجتمعات لنصبح شعبا واحدا, ومن أجل هذه الفكرة الحالمة والخلاقة انجذبت إلى الملك عبدالعزيز مجتمعات الجزيرة العربية من المدن والقرى والهجر والجبال والشواطئ لتحقيق هذه الوحدة, وتأكيداً لتثبيت هذه الدولة الوليدة, شرع الملك عبدالعزيز في توطين الجيوش التي عملت من أجل التوحيد والتأسيس وتحويل مجتمعات الرحل إلى مجتمعات مقيمة, وخلق فرص اقتصادية بإنشاء الهجر والقرى الزراعية والمدن الحديثة.
هذه الفكرة كررها الملك فيصل -يرحمه الله- في توطين البادية وإنشاء قرى زراعية، وأيضا كررها الملك عبدالله في البواكير الأولى من تأسيس جهاز الحرس الوطني بإنشاء الإسكان العسكري للحرس الوطني.
نحتاج اليوم إلى مشروع جديد لتوطين المواطنة التي تتجاذبها تيارات الفرز الحالي في الوطن العربي والصراعات المذهبية والفئوية والمناطقية والجهوية والإقليمية، وهذا يتحقق عبر مشاريع الإسكان التي بدأت زمن الطفرة الأولى 1395-1975م وتوقفت دون أن تتم مشروعها, وعبر مشروع توطين الوظائف بالحد من البطالة وحماية الوظيفة في القطاع الخاص, وفي توفير وظائف تختص بالسعوديين، وعبر رفع الدخولات لتحسين اقتصاد الأفراد، ودعم الأسر دعما مباشرا عبر برامج وزارة الشؤون الاجتماعية.