|
منذ تأسيس المملكة العربيَّة السعوديَّة على يد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- والنظرة السياسيَّة الخليجيَّة الموحدة، تُعدُّ من أهم ركائز السياسة الخارجيَّة السعوديَّة وذلك لعدة أسباب من أهمها: أواصر القُرْبَى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربيَّة، إلى جانب تماثل الأنظمة السياسيَّة والاقتصاديَّة القائمة فيها، وإيمانًا من المملكة العربيَّة السعوديَّة وباقي دول الخليج بالقواسم المشتركة بينها، ورغبة منها في توحيد وتنسيق السياسات المشتركة وأهمها الأمنيَّة والدفاعيَّة في خضم أزمات وصراعات تحيط بالمنطقة تُؤثِّر عليها بأشكال عدة، وما للدور السعودي الرائد في إنشاء مجلس التعاون وفي استضافة المملكة للاجتماعات التحضيرية لتأسيسه وقبل ذلك في انعقاد مؤتمر القمَّة الإسلامي في الطائف عام 1981، وهذه المبادرة هي تعبيرٌ عن الإرادة السياسيَّة لدى القيادة في المملكة لتوظيف إمكانات المملكة ورصيدها من العلاقات الدوليَّة وخبرتها الدبلوماسيَّة والسياسيَّة لمصالح المشروع الخليجي المشترك.
واتفقت إرادات قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست على إنشاء (مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة) في عام 1981م ليكون الإطار المؤسسي لتحقيق كل ما من شأنه الوصول إلى صياغة تكامليَّة تعاونيَّة تحقق كل رغبات وطموحات دول المجلس الست على المستوى الرسمي والشعبي على كلّ الأصعدة (السياسيَّة - الأمنيَّة - الاقتصاديَّة - الاجتماعيَّة - العلميَّة - الثقافيَّة...الخ).
والسياسة الخارجيَّة السعوديَّة في الدائرة الخليجيَّة ترتكز على أسس ومبادئ من أهمها أن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسؤولية شعوب ودول المنطقة.
ومن أبرز مساهمات المملكة العربيَّة السعوديَّة دورها في دعم الاتفاقية الاقتصاديَّة لعام 2001، التي نصت ديباجتها على تحقيق مراحل متقدِّمة من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس من خلال وضع برنامج للعمل الاقتصادي المشترك في مرحلته الجديدة في إطار زمني محدد وانسجامًا مع متطلبات المرحلة الجديدة من العمل المشترك، والمسارعة في تخصص اتفاقية الفصول الثلاثة منها للاتحاد الجمركي، والسُّوق الخليجيَّة المشتركة، والاتحاد النقدي والاقتصادي، وهي مشروعات تكاملية واندماجية طموحة دفعت بمجلس التعاون خطوات واسعة إلى الأمام، أحدثت نقلة نوعية في طبيعة أعماله وإنجازاته، كما تمثِّل الاتفاقية الاقتصاديَّة بوابة واسعة دخلت منها مسيرة المجلس إلى مرحلة متقدِّمة من التكامل والاندماج، بمنهاج وبرنامج يحقِّقان أهداف هذه المرحلة.
ولم يقتصر الدور السعودي في تحقيق التكامل والاندماج بين دول المجلس على الجوانب الاقتصاديَّة، بل أسهمت المملكة في قرارات عديدة مهمة تَمَّ اتِّخاذها بِشَكلٍّ أو بآخر في دفع المجلس نحو المرحلة الجديدة في مسيرة مجلس التعاون، منها إقرار المجلس الأعلى مشروع الاتفاقية الأمنيَّة كذلك إقراره لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس في ديسمبر 2000، واتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب في العام 2003، التي تمثِّل خطوة جماعية مهمة من دول المجلس لمواجهة الإرهاب
وكذلك تدشين مشروع الربط الكهربائي في ديسمبر 2009م، وتأسيس هيئة التقييس وإنشاء الأمانة الفنيَّة لمكافحة الإغراق وغير ذلك.
وكان الحدث الأبرز في الجهود السعوديَّة ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في سياسة مجلس التعاون منذ أن كان وليًّا للعهد إلى الوقت الراهن التي تمثِّلت في مجموعة الكلمات التي ألقاها في دورات المجلس الأعلى للمجلس التي رأس فيها وفد المملكة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-.
ففي كلمته في الدورة التاسعة عشرة التي عقدت في أبوظبي في 18 شعبان 1419هـ الموافق 7 ديسمبر 1998م دعا إلى تحقيق المزيد من التعاون بين الدول الأعضاء في المجال الاقتصادي وركز على جملة من السياسات الاقتصاديَّة التي من شأنها تسريع التعاون في هذا المجال، مشددًا على ضرورة الإسراع في تفعيلها.
كما دعا -حفظه الله- في كلمته تلك إلى تحويل التعاون العسكري لدول المجلس من قوة رمزية إلى قوة فاعلة تحمي الصديق وتردع العدو.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واضحًا وشفافًا وهو يطرح القضايا الملحة آنذاك التي تتطلب حلولاً جذرية وأهمها الصعوبات الاقتصاديَّة التي كانت تواجهها دول المجلس نتيجة انخفاض أسعار البترول.
وقال: لعله من الضروري أن نبدأ بأكثر التحدِّيات إلحاحًا فما مرَّت به دولنا وسائر الدول المصدرة للبترول في السنة الأخيرة من ظروف صعبة أمرٌ يحتم علينا أن نسميها باسمها الحقيقي فنقول: إنهَّا وصلت إلى مرحلة الأزمة وأدَّى التدهور السَّريع في أسعار البترول إلى انخفاض حاد في المداخيل أثر تأثيرًا ملموسًا على الإيرادات في كلِّ دولة من دول الخليج لذلك علينا إلا نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى مصدر دخلنا الأساسي يَتَعرَّض لهذه الهزة الكبيرة نتيجة الخلل الذي طرأ على التوازن المطلوب بين العرض والطَّلب في سوق البترول وهذا أمرٌ يستدعي منَّا جاهدين السعي داخل منظمة الأوبك وخارجها لإعادة التوازن إلى السُّوق.
وتطرَّق خادم الحرمين الشريفين إلى توطين الوظائف فقال: إن التزام الدول بسدِّ الحاجات الأساسيَّة للمواطنين هو التزامٌ ثابتٌ ودائمٌ إلا أننا لا نستطيع الخروج من الأزمة الاقتصاديَّة ما لم يواكب التزام الدَّوْلة توجهًا في الارتقاء بقدرات الفرد ومواهبه لكي يصبح أكثر قدرة على التنافس والإنتاج والتأقلم مع المستجدات ولكي يمكن الوصول إلى هذا الهدف فإنَّ على القطاع الخاص أن يخفف من الاعتماد على غير المواطنين ويحلُّ المواطنون محلهم ضمن برنامج عملي مرحلي مدروس وذلك انطلاقًا من أن اعتمادنا سياسة التخصيص يقوم على إيماننا التام بضرورة المشاركة الفعَّالة بين القطاعين العام والخاص.
واقترح خادم الحرمين الشريفين إعادة النَّظر في مناهج التَّعليم بدول المجلس لرفع مستواها وطلب من قادة دول المجلس توجيه الوزراء المعنيين بإعطاء هذه النَّاحية ما تستحقه من أهمية، وقال في هذا السياق: إن الحديث عن الاقتصاد يجب ألا يحجب عن أنظارنا حقيقة أساسيَّة وثروة حقيقية تكمن في الإنسان بِكلِّ معطياته البشرية فهو الاستثمار الأجدى والأنفع وأنتم تعلمون أن غالبية مواطني دولنا من الشباب الذين تمكنا بفضل الله وتوفيقه من تيسير أسباب التَّعليم لهم يحتاج في مرحلته الراهنة والمستقبلية إلى كل ما هو جديد وحديث في مجال العلوم العصرية، ذلك أمرٌ يحتاج منَّا في دول المجلس إلى إعادة النَّظر في مناهج التَّعليم بدول المجلس لرفع مستواها ولعلكم تستحسنون معي توجيه الوزراء المعنيين بإعطاء هذه النَّاحية ما تستحقه من أهمية بحيث تكون أمامنا في لقائنا بإذن الله خطوط عريضة لمنهج خليجي دراسي للنظر فيه.
وتأكيدًا على الترابط الذي يجمع دول مجلس التعاون على مستوى القيادات كما على مستوى الشُّعوب وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- بإطلاق تسمية الشيخ جابر على القمَّة الخليجيَّة السابعة والعشرين التي عقدت في الرياض عام 2006م.
وخاطب في افتتاح القمَّة الخليجيَّة في الرياض المواطن الخليجي والعربي والعالم بأسره، خاطبه بكلمات معبِّرة وقف بها على حجم وأبعاد المخاطر والتحدِّيات الحقيقية التي تواجهها الأمة من خلال النظرة الثاقبة التي اتسمت بها كلمته ودعوته دول الخليج العربيَّة الوقوف صفًا واحدًا ليكونوا عونًا لأشقائهم في الوطن العربي.
وفي ذلك يقول: إن منطقتنا العربيَّة محاصرة بعدد من المخاطر وكأنّها خزان مليء بالبارود ينتظر شرارة لينفجر، إن قضيتنا الأساسيَّة قضية فلسطين الغالية لازالت بين احتلال عدواني بغيض لا يخشى رقيبًا أو حسيبًا وبين مجتمع دولي ينظر إلى المأساة الدامية نظرة المتفرج وخلاف بين الأشقاء هو الأخطر على القضية.. وفي العراق الشقيق لازال الأخ يقتل أخاه ويوشك هذا الوطن العزيز أن ينحدر في ظلام من الفرقة والصراع المجنون.. وفي لبنان الحبيب نرى سحبًا داكنة تُهدِّد وحدة الوطن وتنذر بانزلاقه من جديد إلى كابوس النزاع المشؤوم بين أبناء الدَّوْلة الواحدة. وفي خليجنا هذا لا يزال عددٌ من القضايا معلقًا ولا يزال الغموض يلف بعض السياسات والتوجُّهات.
وأضاف يقول: وفي غمرة هذه المشكلات ليس لنا إلا أن نكون صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص وأن يكون صوتنا صوتًا واحدًا يعبّر عن الخليج كلّّه، بهذا الصف الواحد والصوت الواحد نستطيع أن نكون عونًا للأشقاء في فلسطين والعراق ولبنان ودعمًا لاُمَّتينا العربيَّة والإسلاميَّة في كلِّ مكان.
وحول التطلُّعات الخليجيَّة رأى في قمَّة الكويت الخليجيَّة 2009م محطة مهمة في محطات العمل الخليجي من أجل المزيد من الإنجازات التي ترضى طموح أبناء الخليج.
وحول التضامن فيما بين دول المجلس يقول: (إذا لم نتضامن سنكون لقمة سائغة للطامعين، أو سنخضع لشروط الأجندات الخاصَّة ببعض القوى، والعالم يستقوي على الضعيف وينفرد به، وعلى العرب أن يتعلَّموا من تجارب الماضي وينظروا إلى المستقبل بِكلِّ مسؤولية، وبالرغم من أننا نطمح إلى الكثير في (الخليجي) إلا أن العرب يستطيعون أن يتعلَّموا من الثِّمار التي جنتها دول هذا المجلس في الثلاثين عامًا الماضية، كما أن دول الخليج من حقها الطّبيعي أن تكون متضامنة إلى أبعد الحدود لتكون القُوَّة الفاعلة وحتى لا يستفرّد بها أحدٌ، لقد كنت صريحًا مع الإخوة القادة في القمَّة الأخيرة في الكويت عندما قلت: إن المملكة وقادتها يسعون إلى كل ما يكون فيه خير دول المجلس، ونريد أن نرى تضامننا يصل إلى درجة الإحساس الوحدوي، ولا أخفيكم أننا شعرنا بالرضا والتضامن عندما أعلن القادة ومنذ بداية جلسات القمة، وبكل صراحة، دعمهم الكامل للمملكة العربيَّة السعوديَّة في مواجهتها للمتسللين على حدودنا.
ومن خلال هذه النظرة السياسية استطاعت الحكومة السعوديَّة منذ تأسيس مجلس التعاون وعلى مرِّ العقود الثلاثة الماضية من المساهمة ودفع المصالح المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى الظهور وحيز التنفيذ والإسراع بها لتواكب المنظمات والاتحادات العالميَّة.