تقوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) بجهد ملاحظ لملاحقة التعثر في إتمام المشاريع الوطنية، وتعتمد في عملها على وسيلة الإبلاغ من المواطنين والمنسوبين للأجهزة الحكومية، ويكاد لا يمر يوم في الصحافة المحلية دون خبر عن تعثر أحد المشاريع التنموية، وأن الهيئة علمت أن الشركة المقاول تعاقدت باطنياً مع مقاولين آخرين لإتمام المشروع، لكنها في نهاية الأمر توجه الجهة المنفذة بالتحقيق في الموضوع، وهو ما يجعل من الخبر عن كشف الفساد يدخل في خانة الدعاية الإعلامية، إذ كيف يحقق من كان مسؤولاً عن التعثر والفساد في المشروع، وإذا استمر الوضع على هذه المنوال، لن نخرج من دوامة تعثر المشاريع أو عدم إتمامها، ولن يُحاسب من يبيع عقود مشاريع التنمية في الوطن لمقاولين آخرين في الباطن.
الجدير بالذكر أن اللجان القضائية أو شبه القضائية، كما يُطلق عليها، لازالت تعمل أيضاً تحت إمرة ومسؤولية الجهات التنفيذية، وهو ما يجعل من القضاء غير مستقل تحت إمرة هذه الجهات، ومنها اللجان شبه القضائية في وزارات العمل والتجارة والصحة والإعلام وغيرها، وكنت أرجو يوماً ما أن تعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لإخراجهم من سيطرة الجهات التنفيذية، ولكن عندما قرأت عن تكليفها للجهة التنفيذية للتحقيق في تعثر مشاريع تابعة لها، أيقنت أن طريقنا في مكافحة الفساد متعثر، وربما لا يزال يحبو في المهد، وأن مكافحة الفساد أكبر بكثير من رسائل إعلامية، ولكنها جهد فكري وقانوني وسياسي من أجل نقل المجتمع من مرحله إلى أخرى، ولا يعني ذلك أن فقدنا الأمل، لكن لا زلنا نرجوا بدء النقلة الحقيقية.
كنت أرجو أن يتم إحالة الفاسدين إلى القضاء، وأن يتم تخصيص جهات قضائية متخصصة ومستقلة تماماً عن الجهات التنفيذية من أجل النظر في قضايا الذين ثبت من خلال الهيئة أو غيرها فسادهم في العمل الإداري، بدلاً من توجيههم للتحقيق في أمر كان إهمال الجهة المنفذة في الرقابة سبب تعثره، وكنت ولا زلت أطالب بإخراج اللجان القضائية أو أشباهها من سلطة الوزارات التنفيذية وغيرهم، على أن تكون مؤهلة ومتخصصة في العمل القضائي من أجل الإسراع في كشف ومحاسبة من يقف خلف دوائر الفساد في الوطن الغالي.
كذلك كنت ولا زلت أنتظر أن يتم إعفاء أي مسؤول كانت جهته التنفيذية السبب في تعثر المشروع أو ثبوت تورطه في قضايا فساد مالي أو إداري، ولو حدث ذلك لارتفعت أسهم الهيئة وتشجع المواطنون لإبلاغهم عن المخالفات المالية والإدارية، وأيضاً كنت أنتظر أن تزور الهيئة القطاعات المختلفة، وأن تلتقي بمنسوبيها وتشرح لهم حقوقهم، وأن تقوم الهيئة الوطنية (نزاهة) بتنظيم دورات تدريبية للموظفين ومنسوبي القطاعات الحكومية، وذلك من أجل إعطاء نبذة عن قضايا الفساد وعن تعريفه وأنواعه، وسيكون من المناسب أن تصدر الهيئة كتيبات ومناهج توضح سبل مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، وأن تعمل على تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وعلى كشف من يحاول إخفاء ملفات فساده تحت سجاد مكتبه، وذلك لأن ما يزيد من إحباط المواطن في قضايا الإبلاغ عدم ظهور نتائج الكشف عن قضايا الفساد.
قد أكون أكثرت الكتابة عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لكني أكتب عن ذلك وأطالب بإصلاح الوضع من أجل الوطن واستقراره، ومن أجل الحفاظ على ثرواته وأمنه ومستقبله، وليس من أجل إحراج المسؤول، فالهدف الأسمى هو الحفاظ على مدخرات الوطن، وإن كنت أؤمن أن الهيئة الوطنية نزاهة تقوم بجهد بالغ في إحداث النقلة، لكني أعتقد أن قضايا مكافحة الفساد أكبر بكثير من إمكانياتهم الحالية، وربما تواجه الهيئة تعثر في عملها، وقد تحتاج إلى أكثر من هيئة قضائية وإدارية في هذا الشأن، ولنا أن نستفيد من خبرات الآخرين في العالم الآخر في تفعيل مؤسسات المجتمع المدني في العمل مع الهيئة من أجل توثيق ومكافحة قضايا الفساد في الوطن العزيز.