عامان تقريباً لم تذق فيهما سورية طعم النوم.. عامان والدم ينزف بغزارة في تلك البلاد المنكوبة.. عامان وسورية تحت النار والحصار والدمار.. عامان وهي تدفع أرواح أبنائها وأطفالها ومدنها وقراها وملامح عمرانها ثمناً لحريتها وكرامتها حتى أضحت اليوم وطنا بلا روح وبلا ملامح.
أطفال بعمر الورد لا يعرفون شيئا سوى البيت الآمن وفصول المدرسة وتلك الاجتماعات البريئة بين أطفال الحارة, أصبحوا بين عشية ثورة وضحاها مهجرين بلا روح, في خيام باردة يقطنونها مع أهل عاجزين أن يفسروا لهم بشاعة الحياة والبشر, هم نازحون حتى إشعار آخر تحت وطأة نظام إقصائي دموي لا يأبه بالدماء وأرقام القتلى والجرحى والنازحين, يرفع شعار «الأسد أو نحرق البلد» «الأسد أو لا أحد» وكأن رجلاً واحداً أهم عندهم من شعب كامل ودمه أغلى من 50 ألف قتيل أريقت دماؤهم على عتبات درعا وإدلب وحمص وحلب ودير الزور ومؤخرا دمشق وأريافها.
بعد الثورة صاح الناس ماذا يحدث؟ هل هو آخر الزمان؟ ثم ماذا حل بالكرامة والوحدة العربية التي ما زالت تكتفي بالاجتماعات والمؤتمرات وتصاريح الإدانات وبعض الحملات والتبرعات؟
أمعقول أن يقف العالم عاجزاً عن ردع نظام أحرق وطناً وقتل شعبا وغير معادلات توازن القوى في المنطقة؟ حرب مستعرة تشعر وأنت تشاهدها أنك تعيش في عصور الوحشية والظلام وغياب الدين والحضارة, منذ عامين تقريباً ودماء السوريين تتدفق إلينا عبر أشرطة الأخبار والأنباء العاجلة, مشهد تعود البعض أن يراه دون أن تتحلق عيونه على الشاشة بدهشة واستغراب, بل انتزع منه طول الثورة وعمرها شعوره بالدهشة من أرقام القتلى والجرحى والمهجرين, وأكاد أجزم أن مقالي هذا أصبح «موضة قديمة» وموضوع تشبع نقاشاً وطرحاً دون حل, ما جعل البعض يحجم قبل أن يقدم على كتابة أو حتى قراءة خبر يتعلق بهذا الشأن, حيث فقد العالم للأسف شهيته لإنقاذ سورية وأصبح يدور في فلك ضيق ومضحك اسمه «الأسلحة الكيماوية» وبات يحذر ويهدد ويتوعد الأسد وشبيحته من استخدام تلك الأسلحة خوفا على الشعب السوري وكأن بذلك المجتمع الدولي يشرع للأسد قتل شعبه بكل الأسلحة والقنابل والطائرات الحربية وراجمات الصواريخ، ولكن تثار ثائرته إذا أبادهم بوسيلة أخرى اسمها «الأسلحة الكيماوية»! أي عقل يصدق تلك الترهات التي ينسجها مجلس أمن غدا واضح الميول والتوجهات؟ وأي خوف وإنسانية تلك التي تجعل العالم يتعاطف مع الشعب السوري المنكوب في الأعياد أو حين يتعلق الموضوع بالكيماوي؟ هل يصح أن نعيش آمنين قريري الأعين في منطقة نعرف أن فيها من يعيش وهو فاقد أبسط أبجديات الحياة الآدمية, يتصلب جسده برداً مع صقيع الشتاء في مخيمات اللاجئين وعلى الحدود, ينامون وفي قلوبهم ألف سؤال وألف دمعة وألف حسرة على أمة خذلتهم في أعز حاجتهم إليها.. بوجه رئيس ديكتاتوري ورث حكمه عن أبيه دون أن يسمح للشعب أن يقرر أو حتى يبدي رأيه, بل عدل الدستور وهو أقدس المقدسات القانونية, وسلب العباد والبلاد ثرواتها, وأصبح بيده هو وعصابته من آل مخلوف وشاليش ثلاثة أرباع الاقتصاد وأكثر, وسورية تفقد أبسط مقومات التطور والحداثة على الرغم من أنها تتمتع بطبيعة ساحرة وثراء في الآثار وأراض زراعية خصبة ووفرة بالأيادي العاملة, إلا أن كل تلك الثروات ظلت حبيسة آل الأسد وكانت العصا هي التي تعيد السوريون المطالبين بحقوقهم إلى قفص الطاعة, وحين ثاروا بعد ربيع عربي صاخب وخرجوا بالآلاف يهتفون ضد النظام ويطالبون بسقوطه, خرج الجيش العربي السوري من وكره وفتح مستودعات الأسلحة ضد شعبه الذي ظل يدفع لبنائه عقوداً طويلة من ضرائبه ودخلهفي نهاية المطاف بدل أن يحميه بات يسأل الله أن يحميه منه, حيث وجه السلاح ضد الشعب وقتلهم ولم يفرق بين الثائرين والعزل, والرجال والنساء بل ضربهم جميعا بيد من حديد أمام مرأى ومسمع العالم المتغافل عن معاناة ذلك الشعب المنكوب.. عذرا أيها الشعب السوري الأبي لا نملك لكم إلا الدموع والدعاء والكثير من الإكبار لصمودكم وشجاعتكم وقوة إرادتكم لنيل ما هو أغلى من الخبز والماء.. الحرية التي ستنالونها قريبا يا أحرار الشام ومحرريها.
Twitter:@lubnaalkhamis