لا أجد غرابة عندما أقابل شخصا عزيزاً على نفسي تركته من سنوات وقد غير في مظهره القديم الرث إلى مظهر يبدو أكثر ترتيباً وجمالاً، فالله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، والدين الإسلامي حث المسلم على النظافة والتطيب وارتداء أفضل الثياب، وهذا المنهج في التفكير والسلوك يدل على قابلية كبيرة لدى هذا الإنسان في الانفتاح على الآخرين ومحاكاتهم وفق ضوابط الدين المتفق عليها بين العلماء، لذلك تجده يبدل أسماله العتيقة إلى ملابس جديدة، ويهذب من هيئته، ولا يجد ممانعة أن يحاكي كل جديد ويرتدي أجمل الملابس ويرش بدنه بأفضل أنواع العطور الباريسية، فالمظهر جزء مهم من شخصية الفرد، ولا يكفي أن يكون مخبره طيبا، بل لابد أن ينعكس ذلك في شكله وهيئته، ومثلما يقال الناس ليس لهم إلا الظاهر, وقد قابلت زميلاً قديماً قبل أيام فوجدته قد تخلى تماماً عن هيئته القديمة، لم يكشف عن عورته والعياذ بالله، لكنه أضفى على شكله مزيداً من اللمسات الجميلة، فلبس العقال وهذب شيئاً من شعر وجهه، وبدل تكشيرته القديمة إلى ابتسامة ساحرة تعلو محياه وتظهر جوانب مخفية من سماحة الدين لمن يظن أن التدين عبوس في الوجه وفوضى في المظهر، وأجد ذات السماحة في إمام الجامع الذي أصلي فيه، وأرتاح لأحاديثه وقفشاته وتعليقاته الساخرة وهو يقرأ علي بعض النكات الجديدة التي وردته عبر الواتس أب، ونحن نسير مع بعض أثناء خروجنا من المسجد، وهو يبدو دائماً حسن المظهر، لا يلبس إلا الجديد، وحتى في بيته يختار أفضل الأثاث وأحسنه ويركب سيارة فارهة، لكنني لم أعهده مداهناً ولا مساوماً على دينه، بل إنه لا يخاف من النطق بكلمة الحق، مثل هؤلاء تكمن سرعة التغير لديهم وتقبلهم للجديد في فهمهم لحقيقة الدين وتفريقهم بين الحلال والحرام وعدم اتكائهم على معتقدات من صنع البشر.
بعض من يعانون من بطء الاستيعاب وانعدام القابلية للتغيير يعتقدون أن مثل هؤلاء قد بدلوا دينهم وأحدثوا فيه وسعوا وراء مصالحهم وشهوات نفوسهم، واعتقاد هؤلاء المنغلقين نابع من رسمهم لصورة ذهنية مشوهة عن المتدين الذي لا يريدون له أن يتجاوزها، وهي نظرة ضاربة في أعماق التشدد لأنها تحمل الفرد على ترك فعل أشياء مباحة بحجة الزهد والورع والتقشف، أو أن الدنيا دار ممر لا تستحق تمتع الإنسان بها، متناسين قوله تعالى: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، وهي فلسفة ضاربة في أعماق الماضي، يوم حرّم فئات على أنفسهم ركوب الطائرات والسيارات والتصوير الفوتوغرافي والاستماع إلى المذياع أو مشاهدة التلفزيون وعدم لبس الأحذية والامتناع عن إيصال الكهرباء إلى بيوتهم إمعاناً منهم في تعذيب أنفسهم، ورفض وظائف الدولة وإدخال الأبناء والبنات في مدارس الحكومة.
هذه التوجهات الفكرية والأفعال المترجمة لها فهمت من بعض الأتباع على أنها ثوابت أو فتاوى غير قابلة للنقض فتمسكوا بها وندبوا الناس لها وكأنها غير قابلة للنقاش، فحيّدوا العقول ورفضوا جميع الأفكار الأخرى، بل ذهبوا إلى رفض ما لدى الآخر مهما كانت حجته، وآثروا الانكفاء على الأفكار العتيقة ورفض الجديد، وهذا ما يفسر بطء تغيرهم، وربما استحالته فعشوا بعيداً عن واقع الحياة المعاصرة، وباتوا لا يجيدون قراءتها جيداً وكأنهم يعيشون أمية فكرية وسط عالم سريع التغير والتبدل.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15