يعتقد السمين المسكين الذي قرر في لحظة رفض صادقة لواقعه المؤلم أن يعمل رجيما أو حمية غذائية أن الجميع متآمرون عليه؛ بدءاً من أهل بيته الذين لا يتفننون في الطبخ وتقديم الوجبات المسيلة للعاب إلا عندما ينخرط في التفاصيل المتواضعة لرجيمه المنحوس، وليس انتهاء بالأقارب والأصدقاء والزملاء الذين لا تكثر مناسباتهم المترعة باللحوم والشحوم وصحون الحلوى الشهية، إلا في أيام جوعه التي فرضتها عليه أرتال الشحوم المعيقة للحركة، وكأنه يحمل على هيكله العظمي أربعة أكياس من الرز حتى كتمت أنفاسه، وفي لحظات قوة إرادته وانتصاره المدوي على شهوات نفسه الميالة لكل ما لذ وطاب من طعام وشراب غير عابئة بحال صاحبها ومعاناته الصحية والنفسية لا يجد وسيلة للهرب من سيل المؤامرات المغرية إلا الفرار من الجموع المتحلقة على الطعام تلتهمه بشراهة واللواذ إلى ركن قصي ليسلي نفسه المتعبة من آثار الصدمات المتلاحقة، وليلتقط أنفاسه ثم يسكت عصافير بطنه التي تكاد تفر من داخله بتفاحة خضراء خالية من السكر يخرجها من جيبه الجانبي ثم يتفحصها ويدقق في تفاصيلها قبل أن يمسحها بعناية وكأنه سيودع عزيزا لديه ثم يتناولها، ويبدأ في قضمها برفق وكل همه أن يطول الوقت وتستمر الأسنان في حركتها حتى ولو في قضم الورق,
وتذكرني تلك اللقطة بقصة الصديق الشاعر محمد الضالع سمين الماضي ورشيق الحاضر والذي مايفتأ يستعرض جسمه النحيل في كل مناسبة منذ أن من الله عليه بالتعافي من السمنة، وينهمك في سرد حكاياته الطويلة مع عمليات شفط الدهون وأنظمة الحمية الغذائية، والعذابات النفسية التي تعرض لها من جراء مقاومة الضغوط الاجتماعية، وشهوات النفس التي لا تتركه في حاله وخاصة في المناسبات وإصرار المضيف عليه بالمشاركة وهو ما حدث له في إحدى المناسبات عندما دعي لوجبة العشاء التي تتصدرها الخراف المتربعة على الصحون فخنقته العبرة ثم دمعت عيناه قبل أن يتدبر أمره ليهرب من المشهد، ويتوارى عن القوم ليركب سيارته ويتجه للبقالة ليأخذ علبة زبادي، وعندما هم بأكلها تذكر المفاطيح فأنشد بحسرة:
والله قهر الناس تضرب مفاطيح
وأنا أدور بالبقالة زبادي
هم يأكلون الرز أكل المشافيح
وأنا اللبن والماي شربي وزادي
ومضى في قصيدته العصماء والتي تصلح كوصفة لجميع السمان إلى أن قال:
من لا يسكر معدته بالمفاتيح
ويقبض يده لاشك ضايع وغادي
خفوا قبل لايصبح الجسم تشليح
وتأسس الأمراض فيكم نوادي
يعيش السمين المسكين في حالة قلق دائم وهو يمني نفسه بإنزال بضعة كيلوغرامات وسط أجواء حاشدة بالخيرات وطاولات تعاني من ثقل المعروض، وروائح تفوح من موائد عامرة وبوفيهات باذخة قد تطيح بما تبقى لديه من آمال عقدها وطموحات ينشد تحقيقها في لحظة ضعف لايجد نفسه وقتها إلا وقد تمدد على الأريكة بعد أن ملأ بطنه دون أن يشعر ثم يتدثر بالحسرة والألم .
لا يغرك من يقول والله العظيم ياجماعة الخير أنا ما آكل، والله أني أسمن من الهواء، طبعا قوية فالأخ يحاول أن ينفي التهمة ويسلي نفسه، وإلا فإننا لم نسمع عن حالة سمنة جاءت من الهواء أوحتى الماء أو الخيار أو الخس. الأكيد أن السمين يتحمل النسبة الأكبر من إهماله لنفسه لكن حظه العاثر أوقعه في مجتمع ثقافته الغذائية والصحية تحت الصفر.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15