ما زالت قضية المرور هي مشكلة المشاكل، وهي هاجس الناس ومدار حديثهم، بل إنها أصبحت تستقطب كُتّاباً بشكل يومي، إذ لا يمر يوم إلا ونجد بضع مقالات تتحدث عن هذا الشأن المقلق.
ومن أهم ما كتب هو ما نشرته جريدة الرياض في افتتاحيتها بقلم الأستاذ يوسف الكويليت الذي أوجز المعاناة، وأوضح جوانب من تفاقم هذه المشكلة وخطورتها، وما يعطي هذه المقالة أهمية أنها جاءت افتتاحية، وجرت العادة أن تكون افتتاحية الصحف للقضايا الكبيرة، ولكن رغم ذلك فإن ما نشهده يؤكّد أن الوضع لا يتغير قيد أنملة وكأنما كل الناس ينفخون في قرب مقطوعة، فلا حس ولا خبر من الجهات المعنية وهي كثيرة، وأركّز هنا أنها كثيرة، فمسؤولية ما يقع اليوم من مشكلات في الطرقات وسوء السلوك والازدحام والتجاوز إلى غير ذلك لا تقع على عاتق إدارة المرور، أو وزارة الداخلية، بل إن المسؤولية تقع على قطاع أكبر من هذا، فوزارة التخطيط مسؤولة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية مسؤولة، ووزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولة، ووزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة، ووزارة العمل مسؤولة، ووزارة التربية والتعليم مسؤولة، وعلى الوزارتين الأخيرتين مسؤولة وعبء أكبر، لأن ما يحدث هو ناتج عن سلوكيات تعمّقت في نفوس الناس وعلى وجه الخصوص من الشباب وهنا تحتاج وزارة التربية والتعليم أن تعيد النظر في مناهجها وأن تعمل على أن تكون هذه المناهج للارتقاء بالسلوكيات واحترام الملكيات العامة واحترام الإنسان، فلو غرست مثل هذه المفاهيم فسوف تخف قليلاً قليلاً كل سلوكيات القيادة المتهورة وغير المسؤولة عند الشباب.
أما وزارة العمل فهي مسؤولة عن سوء سلوك العمال الذين يشكلون أحياناً نسبة كبيرة من قائدي المركبات سواء الخاصة بالأسر أو الشركات والمصانع وغيرها، فهؤلاء أصبحوا لا يراعون نظاماً ولا يهتمون بأي قيد لأنهم لا يدركون معنى النظام إضافة إلى عدم وجود الرادع الشديد الذي تسأل عنه وزارة الداخلية ممثلة في إدارة المرور.
قد مللت شخصياً من كثرة ما كتبت عن المرور، لكن دافعي هو الخوف الشديد الذي أشعر به يومياً وأنا أسلك طرقات الرياض المرعبة، صحيح أن المرور لا يتحمل كل شيء إلا أنه في النهاية هو الواجهة، فالناس لا تعرف الدور الذي يجب أن تقوم المؤسسات الأخرى ولكن يصرون على أن إدارة المرور هي التي أنيطت بها هذه المسؤولية وبالتالي هي المسؤولة عن هذه الفوضى التي لا تضاهيها فوضى في أي مدينة من مدن العالم...