نحن في محرّم الحرام الشهر الأول للتقويم الهجري 1434هـ، وفي ديسمبر الشهر الأخير للتقويم الميلادي 2012م،
نحن نصدق الهجري أكثر من الميلادي، ثم نستخدم الميلادي أكثر من الهجري..!
فإن كنا نصدق الميلادي كل عام أن يوم 31 ديسمبر هو نهاية العام، فهل نصدقه هذا العام أن 21 ديسمبر 2012 هو يوم نهاية العالم..؟!
نحن نصدق التقويم الهجري، على أننا أسلمنا وآمنا بصاحب الرسالة النبوية المباركة أولاً، ثم بالهجرة النبوية المباركة ثانياً، فهل كنا كذلك نصدق ونؤمن بالتقويم الميلادي على أنه الأكثر استخداماً في يومياتنا (الروزنامية)..؟
إن كانت الإجابة نعم، فعلينا الاعتراف بأن مخترعي هذا التقويم (هنود المايا) في أمريكا الوسطى كانوا قد تنبؤوا قبل 5125 سنة، أن هذا العالم بكل مكوناته ومخلوقاته سينتهي يوم 21 ديسمبر 2012م.
ورغم أن الموت حق لا نبأ أصدق منه، إلا أن الإنسان هو آخر من يصدق الموت إلى أن يأتيه على ترقوته، وإن كان صافحه الموت شهرياً وأسبوعياً ويومياً على باب داره وجاره! يرى جاره يموت ولا يصدق الموت، أبواه يموتان ولا يصدقه، وإخوته يموتون، وزوجته تموت، وأحياناً أبناؤه وأحفاده يموتون ولا يصدقه، لأنه لا يريد أن يصدق أنه سيموت إلا إذا مات فعلاً.
وقد يتقبَّل الإنسان الموت المفاجئ باعتباره صدمة قد تتلاشى بين الجثامين المتلاشية في الكوارث والتفجيرات والحروب بأسلحة الدمار الشامل سابقاً، وبين المقابر الجماعية وقنابل الطائرات وقذائف الدبابات لاحقاً، ولا يتقبله موتاً موقوتاً وبعلم مسبق عن وقوعه توقيتاً وتاريخاً!
قرأت اليوم في إحدى المنتديات والمدونات خبراً لشباب سعوديين نشروا خبراً: أنه تم تأجيل (نهاية العالم) المزمع في 21 ديسمبر الحالي إلى ديسمبر ما بعد خمسين لمئة سنة. وهو خبر جميل، لأننا بذلك نفسح المجال أمام وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وعلماء ورواد الفضاء الخواجات أن يكملوا أبحاثهم وتنقلاتهم المكوكية بين الأرض والقمر والمريخ إلى كواكب أخرى، كي نتجه بالدولار واليورو إلى مترو الفضائي الأمريكي الأوروبي للتنقل بين الكواكب في حال وقوع كارثة نهاية كوكب الأرض بعد خمسين إلى مئة سنة، بدل الأتوبيسات الهندية والصينية الحالية بين القرى والمحافظات بتذاكر مُخفضة بالجنيه والشلن.
تعجبوني يا شباب..! نحن كنا شعب الأمل فلنبق عليه، نعيش على الآمال، وآمالنا على حساب طموحات غيرنا من شعوب تعيش على الإبداع والإنتاج، ليس المهم كم سنة عشت في هذه الدنيا، بل المهم ماذا أنتجت فيها. أنا لا أعتبر مخترعي الكهرباء والسفن والطائرات والسيارات أمواتاً، إنهم أحياء يلدون كل يوم من خلال ما تركوا لنا من إبداعات في المطارات والمتروات والمحطات والمستشفيات. ولا أرى الطبيب الجراح هو الذي ينقذ الأرواح في غرفة العناية المركزة بالمستشفيات، وإنما أرى (توماس إديسون) و(نيكولا تُسلا) يقفان خلف الطبيب الجراح بالكاشفات الكهربائية تضيء لعينيه ويديه الطريق إلى أعماق تلك الجراح المظلمة في أحشاء المريض، فلولا الكهرباء لما كان الأطباء والمعدات، ولا المستشفيات بالأدوية والإسعافات.
لو افترضنا أن تكهنات (هنود المايا) حقيقة، وأنه فعلاً يوم 21 ديسمبر نهاية الكون، ثم افترضنا ما روجه الشباب في المدونة أنه تم تمديد المهلة من خمسين إلى مئة سنة أخرى، يا ترى ماذا علينا أن نترك مع الافتراضية الأولى؟.. ثم ماذا علينا أن نعمل مع الافتراضية الثانية؟
مع الافتراض الأول، لم يبق لنا من هذه الدنيا أكثر من سبعة أيام، أتوقع من الصباح كل منا يرى بجانبه من يمشي معه محطماً ممزقاً، على الشفاه نحيب، وفي العيون مأتم وعزاء، وفي الصدور نواح ولطميات، كل يصافح صاحبه: (البقية في حياتك)، ويرد عليه المسكين بلسانه (حياتك الباقية) وبقلبه (يخسف عمرك، أنت الأول).
ومع الافتراض الثاني، أنه تم تمديد المهلة من خمسين إلى مئة سنة، أتوقع العشريني يعود للطفولة، والخمسيني للمراهقة والتسعيني يستبدل المحراب بالدسكو.!
وهنا أرى لزاماً أن نترك التقويمات كلها جانباً، ونلجأ ولو لساعة واحدة إلى صاحب التقويم الهجري الذي أتانا من السماء حقاً لا افتراضاً، (وعنده علم الساعة) ثم (وما تدري نفس بأي أرض تموت، وبماذا تكسب غداً.
لنكتشف أن العلم بوقت الموت قبل الموت، كأن يميت المرء قبل أن يموت..
البقية في حياتكم بالافتراض الأول، وللحديث بقية بالافتراض الثاني.
- الإمارات