عندما أشاهد، وأقرأ عن هجمة رجال الأعمال، ضد قرار وزارة العمل، تحصيل رسم العمالة الأجنبية، أجدني مؤيداً لقرار معالي وزير العمل، لأن أحد ركائز الحل لقضية البطالة، والسعودة، يجب أن تكون رفع تكلفة العمالة الأجنبية، شريطة وجود مجموعة أخرى من الحلول المكمّلة. وعند هذا الحد ينتهي تأييدي لقرار معاليه. ولن أكرر الاعتراضات التي أثارها القطاع الخاص، بدءاً بالحاجة إلى التدرج، أو أن هناك قطاعات يصعب الوصول بنسبة السعودة فيها إلى 50%، وذُكرت قطاعات الإنشاء، والتشغيل، والصيانة، والنظافة، والقطاع الطبي، والزراعي، والمنشآت الصغيرة... إلخ. فقد قيل ما يكفي حول أوضاعها، ولكنني سأختار قطاعاً نظيفاً، ومرتباً، وهاماً، للإشارة إلى فشلنا في توطين تلك الوظيفة، وأعني هنا وظيفة المحاسب، ودعوني أفصّل:-
• إذا افترضنا أنه يوجد في القطاع الخاص في المملكة (600,000) شركة، ومؤسسة، فالأغلب أن هناك أكثر من ذلك العدد من المحاسبين، أغلبهم من إخواننا العرب الوافدين.
• وظيفة محاسب تعني أن يقضي الموظف وقته في مكتب مريح في الخلف، أي أنه لا يقابل عملاء بالضرورة، ومن ثم لا يتخذ قرارات رئيسية، لكن وظيفته مفصلية، ولا تستقيم أمور الشركة، أو المؤسسة بدونها. وراتبها مع بدلاتها لا تقل عن أربعة آلاف ريال، وفي حالات كثيرة تزيد عن ذلك بكثير، ولكنها وظيفة تتطلب الانضباط، ومطابقة الأرقام، حتى آخر هللة.
• لعقود من الزمن، استثمرت الحكومة فيما سميت المعاهد التجارية، لتخريج محاسبين من حملة المتوسطة، والثانوية، لكن نهايتهم كانت مثل نهاية خريجي المعاهد، والكليات الفنية، حيث كانوا يتسربون إلى أعمال إدارية حكومية، لا علاقة لها بما درسوه، ونتيجة لذلك ألغت الحكومة تلك المعاهد.
• الجامعات أيضاً تعاني من ضعف إقبال السعوديين على وظائف المحاسبة، باستثناء إقبال ملحوظ من قبل العنصر النسائي، ولكن قضية الاختلاط، وتصميم المكاتب، تحدّ من توظيفهن، مع الأسف.
• شخصياً، سأروي تجربتين مع محاسبين سعوديين:-
1 – وظفت محاسباً سعودياً من خريجي جامعة الأمير سلطان، وبعد مدة من الزمن، أرسلته إلى أمريكا للتحضير لبرنامج الزمالة (CPA)، وهي أهم شهادة في تخصص المحاسبة، ولكن مع قدوم برنامج الملك عبدالله للابتعاث، قرر الموظف تغيير تخصصه إلى ماجستير في إدارة الأعمال، وقد اعتذرت منه، وأنهيت خدمته، وأجزم أن وضعه اليوم، لو أكمل شهادة الزمالة في المحاسبة، لكان أفضل من ماجستير الإدارة.
2 – قابلت محاسباً سعودياً، بخبرة سنتين، وعرضت عليه راتباً جيداً، ولكنه طلب راتباً أساسياً شهرياً قدره (50,000) ريال، وعند ما استغربت منه طلبه ذلك المبلغ، بخبرته القصيرة، أجاب بأن لديه عرضاً بذلك من مكتب محاسبة غير سعودي، ليكون شريكاً صورياً، لمجرد أن يستخدموا اسمه، وتوقيعه عند الحاجة!!
معالي الوزير: وظيفة محاسب هي أهم، وأولى بالتركيز عليها من الوظائف الدنيا، وقد ذكرت لكم خصائصها، وأنا متأكد أنها لا تغيب عنكم، بحكم خبرتكم العملية، ولذلك أتساءل، لو تبنّت وزارة العمل، عن طريق صندوق الموارد البشرية، عدداً من الحوافر، لتوجيه الشباب السعودي لتلك الوظيفة (ومن ذلك بعثات داخلية، وخارجية)، ألا ترون أن فرص نجاح عملية السعودة ستزيد؟!
mandeel@siig.com.sa