|
الجزيرة - د. حسن الشقطي:
رغم الشكاوى والدعوات التي تنادي بضرورة مساعدة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ورغم المجهودات الكبرى لدعم شباب وشابات الأعمال، ورغم احتياج هذه الشريحة للمزيد من الجهود والمساعدات، إلا أن هناك جانباً آخر أيضا على قدر كبير من الأهمية الإستراتيجية بات واضحا أنه يغيب عن الساحة، وهو تنسيق وترتيب الاستثمارات الكبرى والرئيسة وسرعة الوصول إليها وإبرازها في ضوء المستجدات والتحركات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد الوطني .. فسوق الاستثمارات الكبرى أصبح منقسم إلى قسمين : قسم يضم الاستثمارات الفعلية الناجحة والتي يتم ضخ استثمارات كبرى فيها ، وقسم آخر يظل مجهولا حتى تنقب عنه الحكومة وتعلنه في مناقصات أو تطرحه للاستثمار أو للمشاركة. فكبار المستثمرين أصبحوا مشغولين للغاية في استثمارات ضخمة وهائلة وأصبح السوق مقسم بين مجالات وأنشطة متخصصة ، وأصبحت بالتقريب هناك تخصصات ومجالات تخص كل منهم، بل إن الوكالات أبرزت التخصصية لتوجهات رؤوس أموال كبار المستثمرين..فهناك من يتخصص في مبيعات السيارات، وهناك من يتخصص في مبيعات الأجهزة، وآخر للخزف وآخر للمواد الغذائية..وأصبحت الأسماء التجارية مرتبطة بقطاعات وتخصصات معينة.ولكن في خضم هذا التخصص، يغيب التنقيب الجاد الذي يستكشف الفرص الاستثمارية الكبرى الإستراتيجية سواء الظاهرة أو الخفية..ونخص من هذه الاستثمارات، قطاعات البنية التحتية الهامة، مثل المياه والكهرباء وقطاعات معالجة الطاقة، والطرق، والنقل وغيرها? الوكالات تقوض استغلال الفرص الاستثمارية الإستراتيجية بالفعل أسلوب الوكالات وأيضا الفرانشيز «الخدمية» لعب دورا محوريا في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني لفترات طويلة، وسهلت نقل بعض التقنية والتكنولوجيا إلى الاقتصاد الوطني، وخاصة عندما كان الاقتصاد يركز على القطاعات الخدمية أو التجارية .. إلا إنه إذا كان أسلوب الوكالات مناسبا لطبيعة فترات عديدة سابقة، إلا أنه قد لا يمثل نفس الأهمية في الوقت الراهن، وخاصة في ظل انتقال اهتمامات الاقتصاد الوطني من الاقتصاد الخدمي والتجاري إلى الاقتصاد الصناعي أو اقتصاد الصناعات التحويلية تحديدا. والوكالات المتركزة بالسوق المحلي غالبا هي وكالات لبيع أو توزيع منتجات يتم استيرادها، وهذه الوكالات نظرا لسيطرتها وتركزها في تجار أو مستثمرين بعينهم، فإنها قد تتسبب في صعوبة قيام أي مشروعات أو استثمارات جديدة لإنتاج منتجات الوكالاتمحليا، لأن أي منتج جديد يحتاج إلى فترة حضانة حتى يكتسب القدرة على الانتشار التجاري، فضلا عن الصعوبات التي تواجهه للإحلال محل المنتج المستورد في سياق الوكالات .. ونستطيع القول بأن منتجات الوكالات تمثل منتجات منافسة بقوة وطاردة للعديد من المنتجات الوطنية البديلة التي يتم إنتاجها محليا..البعض لا يعتبر منتجات الوكالات هي منتجات مستوردة بل يعتبرها كما لو كانت منتجات محلية، طالما أنها تنتمي لعلامة الوكيل المستورد، إلا أن هذا الاعتقاد ليس دقيقا، لأن هذه المنتجات هي منتجات مستوردة ولا تقدم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني..بل إنها تتسبب في مواجهة المنتجات الوطنية لمنافسة شرسة قد تمنع الأخيرة من النمو والترعرع، بل إن منتجات الوكالات غالبا تطرد المنتجات الوطنية من السوق المحلي، فالمنتج المستورد في ضوء الوكالات (وبسيطرة الوكيل وقوته) يكتسب قوة وتنافسية تمنحه اقتصاديات الحجم، وتجعله أقدر على التنافس بالسوق المحلي. مشكلة الوكالات التجارية والفرانشيز رغم أن هذه الأدوات التجارية هي أدوات مقبولة ومطلوبة في كثير من الأحيان، إلا أنها عندما تسودها القطاعات والأنشطة الخدمية والتجارية، قد تتسبب في مظاهر خلل عديدة بالأسواق .. وغالبا وعلى مستوى الوطن العربي ككل، فإن الوكالات تسيطر عليها المنتجات الخدمية، وخاصة في القطاعات الغذائية والتجميل والسيارات، وكافة السلع الترفيهية والأجهزة والكماليات وغيرها .. إلا أن الوكالات هنا غالبا ما تكون وكالات بيع وتوزيع .. أما الفرانشيز، فرغم أنه يفترض أن يقود إلى تنمية ودعم القطاعات التصنيعية من خلال اكتساب حقوق امتياز تمكن المستثمرين المحليين من تصنيع منتجات محلية تحت أسماء وتراخيص أجنبية، إلا أن حتى الفرانشيز اقتصر في جانب كبير منه على منتجات خدمية أو ترفيهية، لا تُمكن في قدر كبير منها السوق المحلي من اكتساب قدرات تصنيعية.. فالفرانشيز لا يضيف للقدرات التصنيعية الوطنية شيئا، بقدر ما يضيف ربحا للمستثمرين المحليين مكتسبي حقوق الامتياز. لذلك، ينبغي مراعاة أن الوكالات والفرانشيز إن لم يتم توجهيها في المسارات السليمة، فإنه قد تكون معوقاً لعجلة التصنيع المحلي، وخاصة إذا كان المستثمرين فيها من أصحاب القدرات المالية الكبيرة، وإذا كانوا يدافعون عنها كمنتج وطني ضد منتجات منافسة يتم تصنيعها محليا. الأولويات الصناعية الوطنية إذا شئنا أن نحدد أوليات القطاع الصنعي الوطني، فينبغي أن نعطي «المنتج الصناعي الوطني بدون فرانشيز» المرتبة الأولى من حيث الأهمية الإستراتيجية، يليه «المنتج الصناعي في ظل الفرانشيز»، ثم يليه في المرتبة الثالثة «منتجات الوكالات التجارية» .. لذلك، ينبغي الانتباه جيدا للمنافسة القادمة من الداخل للمنتجات الصناعية الوطنية، وهي المنافسة التي تأتي في ظل الوكالات والفرانشيز.