لقد أصبح تعثر المشاريع الحكومية ظاهرة غير طبيعية في السنوات الأخيرة لمشاريع بعشرات بل بمئات المليارات. ولا شك أن هناك أنظمة مسؤولة عن هذا التعثر خاصة الأنظمة المالية التي لا تناسب مستويات النهضة التي تشهدها بلادنا ولله الحمد، ناهيك عن البيروقراطية المميتة. ومنذ فترة الانطلاقة الاقتصادية الحقيقة لبلادنا في السبعينيات من القرن الماضي. لقد شهد الاقتصاد الوطني جهات حكومية كانت سبباً في تطوير مقاولين وطنيين، كما شهد جهات أخرى عرفت بأنها مقبرة المقاولين.
إن تعثر المشاريع الحكومية سبب رئيس في تعطيل كثير من مشاريع التنمية والخدمات ومن أبرزها الصحة والتعليم وهما قاطرتا التنمية ولعلي أتعرض للأسباب بالتلخيص التالي:
إن من أبرز أسباب تعثر المشاريع هو نظام المنافسات والمشتريات الحكومية بصيغته الحالية والذي لا يأخذ في الاعتبار الامكانيات المالية والفنية للمقاول، ناهيك عن مناسبة سعره وليس أقل الأسعار. فالمفروض أن المشروع المطروح قد تم إعداد كامل الدراسات والمواصفات الفنية والمالية وبالتالي عدم قبول تلزيم المشروع لمن لا تتوافر لديه الكفاءة الفنية والمالية، وكذلك عدم قبول أي عطاء يقل أو يزيد عن التقديرات المالية للمشروع بنسبة معينة 20 أو 30% مثلاً في حين أنه يتم قبول عروض تقل بشكل كبير جداً أو تزيد بشكل قد يكون أضعاف التقديرات للمشروع. وفي هذا المجال يجب تحميل الجهة المسؤولة لقبول مثل هذه العروض وكذلك مسؤولية المراقب المالي تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الخاصة بهذا الشأن وأمور أخرى مثل التركيز على مقاولين محدودين وإعطائهم مشاريع عديدة لا يمكنهم القيام بها وكذلك تطبيق الأنظمة الأخرى المتعلقة بإعطاء المقاول والمنتج والاستشاري الأفضلية.
ويرتبط بنظام المنافسات أيضاً الدفعة المقدمة والضمانات المالية فالدفعة المقدمة يجب أن تكون لحساب باسم المشروع حساب (اسكرو) لا يصرف منه إلا للمشروع فقط. أما الضمانات المالية فهي غير لازمة لبعض المشاريع كالخدمات الاستشارية أو على الأقل تغطيتها بالدفعة المقدمة وخصمها على أقساط شهرية من مستحقات المشروع كما يمكن ربطها بحساب (اسكرو) أيضاً.
إن إدارة المشاريع الحكومية لا تتم بطريقة علمية ومهنية وتتولاها الإدارات الهندسية والمشاريع من قبل موظفين حكوميين، وهذه الإدارات في بعض الأحيان أحد أسباب تعثر المشروع بسبب عدم الاستعانة بمدير مشروع يكون مسؤولاً عن تنفيذ المشروع حسب المواصفات الفنية والمالية وحسب خطة تنفيذ المشروع التي تم إعدادها والتوقيع عليها بين المقاول والجهة الحكومية. لقد لاحظت مع غيري أن إمارة منطقة مكة المكرمة تضع لوحة الخطة الزمنية لكل مشروع تتضمن اسم المقاول وعدد أيام التنفيذ والمدة المتبقية لإنهاء المشروع مع وجود جهة تتابع نتائج تنفيذ المشروع لتلافي أي تأخير للتنفيذ بالوقت المحدد وهو جهد يشكر عليه سمو الأمير خالد الفيصل ونتمنى أن نراه في جميع المناطق.
إن تطبيق المواصفات الفنية المطلوبة من بعض المقاولين الذين يتقدمون بأسعار أقل من التقديرات بشكل كبير ينتج عنه إما تنفيذ المقاولة أو (الخدمة) بشكل ناقص و/ أو مخالف للشروط والمواصفات أو الإفلاس، وبعض المقاولين يفلت من هذه المشكلة إما بالتواطؤ أو التحايل وذلك يتم بمساعدة مسؤول أو موظف صغير.
إن عبارة مشاريع للبيع - مقاولات للتنازل أو مطلوب مقاولين من الباطن أصبحت شائعة، ويقول المهندس سعود الدلبحي (مهندس استشاري محكم وخبير هندسي) إن نسبة المشاريع المتعثرة أو تلك التي تخلفت عن جدولها الزمني تزيد على 85% من المشاريع التي تحت الإنشاء (جريدة الرياض العدد 16223).
خير الكلام ما قل ودل
* إدارة المشاريع الحكومية والخاصة علم لا يفقهه كثير من الإداريين فهو علم قائم بذاته.
* إذا نظرنا إلى حجم المشاريع المتعثرة فإنه بلا شك يتبادر إلى ذهننا سؤال أين الجهات الرقابية المتعددة السابقة على الصرف بل وعلى العقد واللاحقة؟ وما دورها؟ أم أنها مجرد بيروقراطية زائدة وجودها مثل عدمها؟ ومن يتحمل مسؤولية الهدر المالي الكبير؟
* الخطوة التي اتخذها أمين منطقة القصيم باستقالته من منصبه عندما تعذر عليه القيام بأعمال الأمانة لقلة الاعتمادات المالية خطوة جريئة وشجاعة ليت جميع المسؤولين يتخذون مثل هذه الخطوة عندما لا يتمكنون من تنفيذ ما هو مطلوب منهم.
* اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
* اللهم احفظ وطننا من كل سوء ومن كيد الحاقدين .
* اللهم احفظ قادتنا وولاة أمرنا ووفقهم لما فيه خير البلاد والعباد وارزقهم البطانة الصالحة الصادقة.
وإلى الحلقة القادمة بإذن الله.
musallammisc@yahoo.com*عضو جمعيتي الاقتصاد والإدارة السعودية- مستشار اقتصادي