أزعم أننا نحن الفلسطينيين الأكثر استشعاراً لنوع محدد من المفردات، والأكثر تذوقاً لمعانيها، ومنها: «تحرير»، «عودة»، «استقرار»، «حرية»، «هوية»، «عاصمة»، «حدود»، «دولة»، «نصر»؛ إذ إن كل مفردة منها تمثّل حلماً جميلاً؛ راود أجدادنا وآباءنا منذ أن هُجروا من أراضيهم، وجُردوا من ممتلكاتهم، وما انفك يراود قلوبنا وأرواحنا، ويمتد ليستقر في نفوس أبنائنا وأحفادنا!
مازلت أذكر ذلك الحدث المهيب في عام 1988م؛ إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي زلزلت الأرض من تحت أقدام الغاصب، وحركت الجماهير، ليس فقط على امتداد الساحتين العربية والإسلامية، بل والإنسانية عموماً، حينما وقف الزعيم الراحل؛ ياسر عرفات؛ أبوعمار، على منبره الثائر في بلد المليون شهيد؛ الجزائر، قائلاً: «إن المجلس الوطني الفلسطيني يعلن، باسم الله، وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف».
لقد ألهب هذا الإعلان قلوبنا، وجدد الأمل في نفوسنا، وخصوصاً أهلنا وأحبتنا في المخيمات الفلسطينية في لبنان الذين انتفضوا يحيون الدبكة الفلسطينية فوق المجاري التي تجري في أزقتهم الضيقة وبين بيوتاتهم البدائية، ومازالت صورة ذاك الشيخ الفلسطيني ماثلة أمامي وهو يحمل مفتاح بيته القابع تحت سطوة الاحتلال منذ عام 1948م.
ثم لم نلبث إلا قليلاً حتى سكتت أو أسكتت، الانتفاضة، ومن ثم يعود أبوعمار ليحاصر في مكتبه في مدينة رام الله، ثم يُقتل قِتْلة لم يجرؤ أحد على سبر تفاصيلها حتى اليوم، ومن ثم يوارى الثرى ويدفن معه ذلك الإعلان!
واليوم، وبعد المعادلة المذهلة التي فرضها المقاومون في غزة وأربكوا بها عدوهم، تتجدد الأفراح الفلسطينية في الداخل والشتات بتجدد الحدث وإن كان بطريقة مختلفة؛ إذ وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة.
وبعيداً عن الخوض في جهالة الدول التي امتنعت عن التصويت لصالح القرار، أو في عدائية الدول التي صوتت ضده، وجدت مسحة حزن حقيقية تخيم على وجداني، فرحت أتحسس إيجابيات هذه الخطوة لدى المتحمسين لها فلسطينياً، لعلي أبدد هذا الحزن، فوضعت يدي على نقاط قد أتوافق مع قليلها، في حين لا أجد قيمة تذكر لكثيرها، ولعلي أوجزها ها هنا:
* سيعود اسم «فلسطين الدولة» إلى خارطة العالم بدلاً من «الأراضي الفلسطينية»!
* سيكون لنا الحق في تقديم مجرمي الحرب الصهاينة إلى محكمة الجنايات بلاهاي!
* سيصبح الاستيطان في إطار دولة فلسطين باطلاً!
* سيتمتع أسرانا في المعتقلات الصهيونية بحقوقهم بوصفهم أسرى حرب، لا بوصفهم إرهابيين أو مخربين!
* سيكون لنا حق المشاركة كدولة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية!
* سيكون لنا حق تشكيل جيش نظامي يدافع عن دولتنا وشعبنا!
* سيكون لنا حدودنا الجوية والبرية والبحرية!
* سيكون هنالك ممر آمن فوق الأرض أو تحت الأرض يربط بين شطري الدولة؛ قطاع غزة والضفة الغربية!
* سيكون لنا جواز يحمل اسم «دولة فلسطين» بدلاً من «السلطة الفلسطينية»!
لعلك قارئي الكريم تشاركني الحزن وأنت تقرأ هذه النقاط على اعتبار أنها إيجابيات!
على أية حال، وبكل تأكيد، لا يمكنني القول إني ضد هذه الخطوة، ذلك أنني لا أقبل الانضمام إلى خندق الدول التي صوتت بـ(ضد)، بقيادة الصديق اللدود للشعب الفلسطيني؛ الولايات المتحدة الأمريكية ومعشوقتها (إسرائيل)، مع أن سبب رفضهما لا يبتعد عن حالة مكر، لكني ـ على افتراض أن هذه النقاط إيجابية قولاً وحقيقة ـ أتساءل عن ثقلها في الميزان مقابل الكفة الأخرى التي وضعنا فيها موافقتنا على القبول بدولة على جزء بالكاد يوازي 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وفي الوقت نفسه وضعنا إمضاءنا أمام العالم أجمع على إقامة دولة للعدو الصهيوني ـ أو ما يسمى (إسرائيل) ـ على أراضينا المحتلة عام 1948م التي تزيد عن 78% من مساحة فلسطين؟ وأتساءل أيضاً: في ظل غياب أي من المفردات أعلاه التي نحلم بها ليل نهار، هل ستجد الأجيال القادمة في قرار الجمعية العامة اليوم ما يجعلها تطالب بتنفيذه، كما نطالب نحن بتنفيذ القرارين (194) و(242)؟
وأتساءل أخيراً عن الفرق بين نتائج هذه الخطوة، وبين توصية أو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947م، رقم (181) بتقسيم فلسطين إلى دولتين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كلمة تقسيم تعنى المناصفة؛ يعني ففتي ففتي؟
aaajoudeh@hotmail.comكاتب فلسطيني - الرياض