* هيئة الأمر بالمعروف من أهم الأجهزة التي كانت ولازالت عيناً ساهرة على قيم المجتمع، وأخلاقه، وسلوكه.. من الأجهزة التي يستشعر، أو من المفترض أن يستشعر العامل فيها ثقل الأمانة، وجسامة المسؤولية، وشرف المهمة، وسمو الرسالة، ونبل الغاية، وسلامة الهدف.
* قد يلحظ القارئ أنني لم أكمل مسمى الجهاز في مطلع المقال على اعتبار أن شعيرة (النهي عن المنكر) هي الطاغية، وهي التي تمارس فعلياً في وقتنا الحاضر من قبل القائمين على هذا الجهاز، فهذا الشق
لا يحتاج مزيداً من تكريس الصورة في الذهن، أو الإمعان في رسمها.
* في مجتمع كمجتمعنا تشده العواطف على أنواعها، ولهذا يحظى هذا الجهاز بالدعم والمؤازرة، والتقدير والاحترام لمنسوبيه، امتثالاً لأمر الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي رفعت من شأن هذه الشعيرة، ورفعت من شأن القائمين عليها بإخلاص.
* نجانب الصواب إذا اعتقدنا أن الكاتب، أو المثقف، مهما كان منتماه قادر على تغيير الصورة النمطية المرتسمة في أذهان الآخرين بمجرة جرة قلم كما يقال.. لكن الحقيقة أن فرداً من أفراد الجهاز، أو نهجاً تنتهجه مؤسسة بأكملها يستطيع أن يرسم الصورة السالبة.. وأعتقد أن ذلك الانحراف السلبي في التصور لجهاز الهيئة كرستهُ منهجية ممنهجه عندهم، أو اتجاه صرف المجتمع عن الشق الآخر من رسالة الهيئة، وجعلهم لا يستجيبون لهم في منطقهم الدعوي إن صحت التسمية.
* بكل تجرد، لنقم بمسح شامل عن أخبار الهيئات في الصحف الورقية والإلكترونية، ومواقع التواصل، نجد، الهيئة تطارد.. الهيئة تقتحم.. الهيئة تداهم.. الهيئة تكشف.. الهيئة تنقذ.. سيارات فارهة للهيئة تجوب الشوارع بسرعة جنونية يقودها ملثمون.. هذه هي الصورة، وهذه هي غالب الأخبار الطاغية عن عمل هذا الجهاز.. ولا يكاد ينقل إعلام الهيئة كذلك من علاقة الهيئة بالمجتمع إلا أخبار تتحدث عن اعتداء مواطن على رجل هيئة.. سيارة الهيئة تتعرض إلى وابل من إطلاق النار.. سيارة الهيئة تتعرض إلى تهشيم من مجهولين.. أما الجانب الإيجابي من تعاطي الجمهور مع الهيئة وتعاونهم معهم، فلا يكاد يذكر من مصادر الهيئة الإعلامية.
* ما من شك أن سلطة الضبط والقبض، والحوادث الجنائية فيها شيء من الإثارة، فيها شيء من تحقيق الذات، هي الأسهل وأيسر من غيرها، لكن هذا السلوك يستهوي فئة المراهقين فقط، أوسمة من سمات مرحلة معينة يمارسها الفرد. هذا الجهاز للأسف حين يستعين بمتعاونين، أو متطوعين يستعين بهم لهذه المهمات، القبض، والضبط، والتحري، للمطاردة، للمداهمة، وربما لو استعانوا بهم في غير (النهي عن المنكر)، لتثاقلوا المهمة، على شرفها، وسمو مكانتها.
* بطبيعة الحال لا يجوز لأي مسلم لأن يقلل، أويستهين من هذا العمل الذي ندبوا إليه، إنما المشكلة حينما يكون ذلك سمتاً ومنهجاً، ويُعمل على تكريسه.
* من ينشد الإنصاف في القول لا ينسى تعالي بعض الأصوات من منسوبي هذا الجهاز، ممن هم على قدر كبير من العلم والمعرفة، ومن هم يمثلون قيادات عليا في هذه المؤسسة، ومطالبتهم المستمرة بتصحيح المسار، أو التوازن في كلا الشقين، ومع ذلك أسيء فهم مقاصدهم، وفسّر على أن تلك الدعوات إنما هي مصادرة لصلاحيات الهيئة، وإضعاف لدورها في المحافظة على قيم المجتمع، وصيانة أخلاقه، أو أن أصحاب هذه الدعوات هم من الفئة المحابية المتزلفة.
* من المؤكد أن (الأمر بالمعروف) مهنة تحتاج إلى صبر، إلى احتساب، إلى بحث، إلى تدبر، إلى تؤدة، إلى حكمة، تحتاج إلى محتسب متأهل في العلم، والفقه في الدين، مجتهداً في إصلاح نفسه قبل إصلاح الآخرين.
* جهاز الهيئة كغيره من القطاعات الأخرى التي نرى أنها تنحرف شيئاً فشيئاً عن عملها الأساس، أو تغلّب جانباً على آخر، وجميع هذه الانحرافات هي من العلل التي أصابت المؤسسات، وأدت أحياناً إلى تشويه أهدافها ورسالتها.. فهل يستيقظ القائمون عليها؟.. أم نتخذ العمل وظيفة، وحسب..؟.
dr_alawees@hotmail.com