عندما يغيب صوت العقل ترتكب الحماقات، وما شهدناه وتابعه ملايين المحبين لمصر عبر شاشات التلفزيون في الأيام الثلاث الماضية هي مزيد من الحماقات وصل إلى حد ارتكاب الجرائم، فأن يُقتل ثمان مصريين بأيدي مصريين آخرين فهذه أكبر جريمة لم يكن أحد يتصور أن تحدث في مصر!
مصر عُرفت بأنها تضم أكبر مخزون من العقلاء والحكماء والمفكرين وعلماء القانون والدستور، ويكفي مصر أنها تحتضن أكبر وأهم مؤسسة إسلامية (الأزهر الشريف)، ولهذا فإن من المستغرب بل ومن المستهجن بشدة أن تستمر هذه الحماقة على أرض المحروسة، على الرغم أن الحل واضح لا لبس فيه، وهو ما نادت به العديد من المؤسسات والشخصيات الفكرية والعلمية، وهو انتهاج الحوار بين الأطراف المختلفة للوصول إلى توافق يلغي الخلافات ويعيد الوئام. وينظر المصريون وجميع محبي مصر إلى المقترح الذي قدمه مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، وهو مقترح من ستة بنود وللانخراط في حوار جدي يضم جميع القوى المصرية دون شروط مسبقة من أي جهة.
الأزهر مؤسسة علمية ودينية وفكرية، ليس لها مصلحة سياسية أو حزبية ولا شخصية، لا مصلحة للأزهر إلا الحفاظ على مصر وعلى دماء المصريين والإبقاء على البلاد متماسكة وأهلها متحابين، وبالإضافة إلى مقترح الأزهر تنادى العديد بدعوات إلى البدء الحوار وترك ساحات وميادين القاهرة والمحافظات الأخرى والتوجه إلى قاعات الحوار بقلوب لا تحوي سوى محبة مصر.
الرئيس محمد مرسي في خطابه ليلة الجمعة دعا إلى الحوار، وحدَّد اليوم الساعة الثانية عشرة والنصف موعداً للقاء الفرقاء. ورغم أن الرئيس لم يلغ الإعلان الدستوري المختلف عليه، ولم يؤجل موعد الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد الذي لا يحظى بالإجماع، إلا أن الانخراط في الحوار ومن دون شروط مسبقة، سواء من الرئيس محمد مرسي ومن أنصاره، أو من المعارضين من الأحزاب الوطنية التي تضم خليطاً من الليبراليين واليساريين والقوميين، ليكون حواراً مفتوحاً تطرح كل القوى أفكارها، وتنضم إلى القوى المختلفة شخصيات وحكماء من خارج المختلفين، من شيوخ الأزهر ومن أساتذة الفكر القانوني والدستوري وعلماء الاجتماع، وهؤلاء الذين يجب أن يقدموا مصلحة مصر على أية مصلحة أخرى ويتناسوا انتماءاتهم الحزبية لحساب مصلحة وطنهم.
هل تغيب الحماقة ويعود العقل ويحتكم المصريون إلى الحوار الجاد لتجنيب مصر مما تدفع إليه من فوضى إن استمرت دمرت البلاد وأغرقتها في دماء بدأت تسيل من أبنائها؟!
jaser@al-jazirah.com.sa